لم يلتفت أحد في السابع من ديسمبر الجاري للذكري ال ( 106 ) لاكتشاف تمثال رأس ملكة مصر الجميلة " نفرتيتي " التي مازالت أسيرة في يد الألمان، بعيدا عن وطنها الذي جلست علي عرشه بجوار زوجها الملك "إخناتون"؟ تمثال نفرتيتي طوله 47 سم، ويزن 20 كيلوجراما من الحجر الجيري وملوّن بطبقة من الجص. جانبا الوجه متماثلان تمامًا في حالة سليمة، ولكن العين اليسري تفتقر إلي البطانة الموجودة في اليمني، بؤبؤ العين اليمني من الكوارتز المطلي باللون الأسود والمثبت بشمع العسل، بينما خلفية العين من الحجر الجيري، ترتدي نفرتيتي تاجًا أزرق مميزا مع إكليل ذهبي، وعلي جبينها ثعبان كوبرا (مكسور) وقلادة عريضة منقوشة بالزهور، وعمر التمثال يزيد علي 3300 عام، عثر عليه فريق التنقيب الألماني بقيادة " لودفيج بورشاردت " بتل العمارنة في 7 ديسمبر 1912 بورشة النحات "تحتمس" التي عثر بها علي عدد من التماثيل النصفية التي لم تنته لنفرتيتي، وقد وصف بورشاردت الاكتشاف في مذكراته قائلاً: "تمثال نفرتيتي أصبح بين أيدينا وهو من أفضل الأعمال الفنية المصرية الباقية، لا يمكن وصف ذلك بالكلمات، إذ لابد أن تراه". ولكن كيف نقل تمثال الملكة نفرتيتي من وطنها إلي ألمانيا؟ الإجابة في وثيقة عثر عليها 1924 في أرشيف الشركة الشرقية الألمانية التي تولت عملية التنقيب وتتضمن ما جري في الاجتماع بين " لودفيج بورشاردت " ومسئول مصري في 20 يناير 1913 لمناقشة تقسيم الاكتشافات الأثرية التي عُثر عليها في 1912 بين ألمانيا ومصر. ووفقًا للأمين العام للشركة فإن بورشاردت كان عاقدًا العزم علي أن يكون التمثال للألمان، فأخفي قيمة التمثال الحقيقية بالرغم من إنكاره ذلك، ويقول "فيليب فاندنبرج" في صحيفة التايمز أن التمثال من أشهر 10 قطع أثرية مسلوبة، لأن بورشاردت عرض علي مفتش عام الآثار "جوستاف لوفبفري" المسئول صورة ذات إضاءة سيئة، وقام بإخفاء التمثال في صندوق، وكشفت الوثيقة انه ادعي أن التمثال مصنوع من الجبس لتضليل المفتش، وادعت الشركة أن التمثال كان علي رأس قائمة التقسيم، وأن الاتفاق كان نزيهًا، وألقت باللوم علي إهمال المفتش المصري! بهذا الاحتيال الذي مارسه "بورشارت" علي مفتش الآثار، تم نقل التمثال إلي "هنري جيمس سيمون" ممول حفائر تل العمارنة، وبقي عنده حتي أعاره إلي متحف برلين، بعد خروجه من مصر 1913، وعلي الرغم من عرض بقية مجموعة تل العمارنة، إلا أن تمثال نفرتيتي ظل في طي الكتمان، وفي 1918 ناقش المسئولون عن المتحف مسألة عرض التمثال للجمهور، ولكنه ظل دون عرض بطلب من بورشاردت، إلي أن وهبه سيمون لمتحف برلين نهائيًا في 1920، وسمح بعرضه لأول مرة للجمهور 1924 في المتحف المصري ببرلين، ونقل بعدها لمتحف برلين الجديد حتي تم إغلاقه في 1939 مع بداية الحرب العالمية الثانية، ونقلت رأس نفرتيتي مع بقية الآثار إلي ملاجئ آمنة، خبأ تمثال نفرتيتي في قبو البنك الحكومي البروسي، ثم نقل إلي أحد المواقع العسكرية في برلين خريف 1942، وتعرض متحف برلين الجديد للقصف من طائرات بريطانيا 1943، ونقل تمثال نفرتيتي 6 مارس 1945 إلي منجم ملح ألماني في ولاية تورنجن إلي ان عثر عليه الجيش الأميركي وأرسل إلي فرع الآثار التابع للجيش، ثم إلي البنك المركزي الألماني بفرانكفورت، وبعد ذلك شحن إلي نقطة التجمع الأمريكية في فيسبادن، وفي عام 1956 أعيد التمثال إلي برلينالغربية بمتحف »داهليم» ، وأصرت ألمانياالشرقية علي عودة تمثال نفرتيتي إلي جزيرة المتاحف حيث كان يعرض قبل الحرب، ونقل عام 1967 إلي المتحف المصري في شارلوتنبورج وبقي هناك حتي 2005 عندما تم نقله إلي المتحف القديم، وعاد لمتحف برلين الجديد عند إعادة افتتاحه أكتوبر 2009. السلطات المصرية طالبت بعودة التمثال منذ إزاحة الستارعنه في برلين عام 1924، وفي 1925هددت مصر بحظر التنقيب الألماني عن الآثار ما لم يتم اعادة التمثال، وفي 1929، عرضت مبادلة التمثال مقابل بعض الأعمال الفنية الأخري لكن ألمانيا رفضت، واجرت مصر مفاوضات في الخمسينات لم تسفر عن شيء، إلا أن وزير سلاح الجو النازي "هيرمان جورينج" طلب عام 1933 بإعادة التمثال للملك فؤاد الأول كمبادرة سياسية، لكن هتلر اعترض وأبلغ مصر أنه سيبني متحفًا مصريًا جديدًا لنفرتيتي، ورفضت الولاياتالمتحدة تسليم التمثال لمصر عندما اصبح تحت يديها، وفي عام 1989 زار الرئيس الاسبق حسني مبارك تمثال نفرتيتي وأعلن أنه "خير سفير لمصر" في برلين، بينما أعلن د. زاهي حواس أن التمثال خرج من مصر بطريقة غير شرعية، وينبغي إعادته لأن السلطات المصرية تعرضت للتضليل إزاء حيازة نفرتيتي عام 1912، وطالب ألمانيا بإثبات صحة حيازتها للتمثال من الناحية القانونية، وعاد د. زاهي حواس في 2005 مطالبا اليونسكو بالتدخل لإعادة تمثال رأس الملكة نفرتيتي إلي مصر، وهدد في 2007 بحظر معارض الآثار المصرية في ألمانيا، إذا لم تقرض ألمانيا تمثال نفرتيتي لمصر، ولكن دون جدوي، وطالب بمقاطعة عالمية لإقراض المتاحف الألمانية القطع الأثرية بما سماه "الحرب العلمية"، وطالب ألمانيا مرة اخري بإعارة التمثال لمصرعند افتتاح المتحف المصري الجديد، وأطلقت جمعيات تعاون ثقافي في هامبورغ حملة "رحلات نفرتيتي" قاموا خلالها بتوزيع بطاقات بريدية تحمل صورة تمثال نفرتيتي مع عبارة "العودة إلي المرسل"، مشفوعة برسالة مفتوحة إلي وزير الثقافة الألماني، تدعم إعارة التمثال إلي مصر إلا أن عددا من خبراء الفن الألمان دحض الحجج التي أدلي بها د. حواس حول خداع بورشاردت للسلطات المصرية عند الاتفاق علي تقسيم الآثار، واستندوا إلي وثيقة 1924، وتحججت السلطات الألمانية بأن التمثال هش للغاية وقد يتهشم أثناء نقله، ومازال تمثال رأس الملكة الجميلة "نفرتيتي" أسيرًا لدي الألمان، ولا أحد يدري متي ستعود الملكة إلي وطنها الذي جلست علي عرشه بجوار زوجها "إخناتون" أول من نادي بالتوحيد بعبادة الاله آتون. من أرشيف » كنوز »