في هذه المساحة كتبت مقالين قصيرين بتاريخ 15 ديسمبر2013 و24 ديسمبر2013 عن الأمن القومي العربي واعتبرت ان ركيزته المتبقية اليوم هما السعودية ومصر. وقد تلقيت العديد من المكالمات الهاتفية التي تشيد بالضرورة القصوي لنهوض النظام العربي عامة والأمن القومي العربي خاصة من كبوته التي تردي فيها، المستشار والأديب الأستاذ حسين صادق يقول "أؤيد تماماً ما جاء بمقالكم، فالأمن القومي أصبح اليوم ضرورة لوجود الأمم ومطلبا أساسيا للشعوب العربية من الخليج الي المحيط، فهو الذي يؤمن الدول وسيادتها علي المستوي الداخلي والخارجي ليت العرب يدركون ذلك". أدبيات القوة التي هي العمود الفقري للأمن تبرز في كتابات (ماكيافلي) الفيلسوف الايطالي الذي دخل التاريخ عام 1498 عندما تمزقت ايطاليا سياسيا وتحطمت اجتماعيا .. في تلك الظروف الصعبة ساهم بفكره السياسي لتوحيد بلاده (بالقوة) قائلا "ان هدف سياسة الدولة تتمحور في المحافظة علي القوة السياسية.. والسياسة تقاس بمدي نجاحها أو فشلها في المحافظة علي القوة بل والعمل علي دعمها .. فالدولة صاحبة السيادة علي أرضها تمثل قوة ترعي مصالحها وأهدافها في علاقاتها مع المنظومة الدولية". والقوة ضدها الضعف، والضعف منكور ممتهن فالضعيف ذليل محتقر، حقه مسلوب وكرامته مهانة وشرفه مبذول، لا تسمع له كلمة ولا تصان له كرامة، تجده دائماً حسيراً، كسيراً كاسف البال. وإذا كانت الحاجة إلي القوة ليست جديدة ولم تطرأ في العصر الحديث، فإنه مما لاشك فيه أن أهميتها زادت في هذا العصر لأن بعض الذين يمتلكون القوة فيه لا أخلاق لهم ولا يردعهم عن استخدام قوتهم ضد الضعفاء دين ولا مثل ولا إنسانية. أصبح النظام العربي اليوم هزيلا ضعيفا فاقد التوازن لا يكاد يستطيع الوقوف علي قدميه، لقد أصبح حبيسا للإرادة الدولية ورهن إشارتها.. لا يستطيع الفكاك عن سطوتها، ومع انكسار الاتحاد السوفيتي (السابق) مع نهاية عام 1991م والتحول العالمي من الثنائية القطبية إلي القطبية الأحادية انهارت معنويات بعض الأنظمة العربية التي تعلقت بأهدابه ولم يكن أمامها بديلا سوي أمريكا التي انفردت بالنظام الدولي تديره من البيت الأبيض كما تشاء، وفي بعض الانظمة العربية تغلغلت سياسيا داخل تيارات دينية وسياسية متعددة تؤيدها وتدعهما للخروج علي مجتمعات وأنظمة بلادها. العرب اليوم وسط التحولات التاريخية التي تشهدها منطقتهم يجهلون تماما أو يتجاهلون ان هذا العصر هو عصر (القوة) والعالم لا يصغي إلا للقوي (والقوة) هي التي كسرت شوكت العراق أرض الرافدين، وضعفنا هو الذي جرأ أمريكا علي غزونا في عقر دارنا، والقوة هي التي جعلت إسرائيل تستأسد، وضعفنا هو الذي زادها تجبرا وتكبرا وجرأة، فهذا زمن إما أن تملك القوة فيه أو تمرغ أنفك في التراب. إن أمننا القومي العربي في خطر محدق بعد ان خرج العراق بوابته الشرقية من حضن هذا النظام واحتلاله إيرانيا وتقسيمه إلي دويلات وتبعته سوريا التي ستخرج من رحم الحرب الدائرة علي أرضها منذ ثلاثة أعوام بصنع بشار الطاغية والفرس والروس ومهادنة ماما أمريكا لهم لمصلحة اسرائيل، وليبيا حالها لا يسر عدوا ولا صديقا، واليمن الذي كان سعيدا يسير إلي هاوية الحرب الداخلية والتقسيم والسودان انشطر إلي دولتين وهناك (لعبة) دولية لفصل دار فور، والصومال قطعت أوصاله ليصبح العالم العربي ليس (22) دولة وإنما (40) دويلة، وهذا هو الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنه بوش الأب ونفذه بوش الابن والسيد أوباما ومن سيدخل البيت الأبيض بعده سائرون علي نفس النهج، ونحن في العالم العربي متفرجون علي العاب سيرك بهلوانية يصفق لها البعض فرحين ويذرف الدموع الكثيرون. العرب اليوم وأعني السعودية ومصر عليهما السباحة السريعة نحو امتلاك (القوة) بعد التفكك المتسارع لبعض الدول العربية، علي الدولتين استيعاب العبر والدروس قبل فوات الأوان، فعليهما تدبر الآية الكريمة (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال 60، إنها تدل علي عبقرية القرآن في طرح الحقائق فهي تشير بل توضح صراحة ما ذهبنا إليه. إن الحق والخير بحاجة لقوة تحفظهما وتحميهما وتدافع عنهما، والحق أعداؤه كثيرون، وسيعملون جهدهم لمحاربة الخير، وإذا لم يعد العرب والمسلمون من أسباب القوة ما يجعل الحق الذي يدعون إليه في منعة فعلي ذلك الحق السلام، مهما كان يملك من أسباب الإقناع، فان كنت علي حق فأنت بحاجة إلي (خيزوم) قوي مثل خيزوم السفينة تشق به عباب البحر المتلاطم والأمواج العاتية لتستطيع التقدم والبقاء.