جاء (أوباما) إلى رئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية على أكتاف معظم الشعب الأمريكي أبيضه وأسوده.. ولأول مرة يحكم الولاياتالمتحدة إنسان أسود ذو أصول إفريقية ودينية غير مسيحية.. لكن أمريكا كانت في حاجة إلى أي منقذ، لقد كان أكبر مجرمي القرون الثلاثة الأخير (بوش الابن) قد جرَّ أمريكا إلي حروب صليبية، وزعم –عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين- بأنه مرسل من الله لتدمير المسلمين.. وبالتالي بدأت أمريكا ومن ورائها العالم المرتبط بالدولار يترنح للسقوط، وهي -كقاطرة أمامية- كانت تجر العالم الذي يسير وراء أوروبا حذو النعل بالنعل، كما تجرّد العالم الثالث والإسلامي والعربي الذي يعمل بعض حكامها أُجراء (بعقد عمل) بنوده معروفة، أهمها أرصد أن يسرقوا من شعوبهم ما يشاءون على أن يتركوا الباقي لأمريكا... • ولسنةٍ تقريباً..كان أوباما ثابتاً قوياً تنمو أرصدته الشعبية في داخل أمريكا وخارجها باضطراد.. • ولكن ما غاب عن عبقرية (أوباما) -التي أشهد بها- أن الأمم في لحظات الانحدار تبدو كالحائط الكبير الذي أخذ يميل نحو السقوط.. فالحل هو في الالتفاف حوله، ومحاولة تجنب الآثار الناجمة عن سقوطه قدر الاستطاعة.. • ولطبيعتي -كمؤرخ ومفسّر للتاريخ- سرعان ما قَفَزَ إلى ذهني ذلك العبقريّ الكبير (مروان بن محمد الأموي) الذي تولى الخلافة الأموية بعد أن كانت عوامل السقوط قد تكاثرت عليها من داخل البيت الأموي نفسه..فالإمبراطوريات العظمى كالخلافة الأموية وأمريكا لا تسقط إلا من داخلها.. • وقد كان الوالي والشاعر الكبير نصر بن سيار يخاطب بني أمية وهم يسقطون ولا يشعرون ...وعندما قَتَلَ الخليفة الأموي الظالم (وهو الخليفة يزيد بن الوليد) -الذي نزا على الحكم كالثوريين المجرمين في عصرنا- ابن عمه الخليفة الشرعي المظلوم الوليد بن يزيد؛ كان هذا مؤذنا بسقوط الخلافة الأموية، فقال ابن سيار في ذلك شعرا تنبأ فيه بالسقوط المدوي للخلافة الأموية، ودعا الأمويين إلى العمل على إيقاف عوامل الانهيار، يقول ابن سيار: أَرَىَ خَلَلَ الرَمَادِ وميضَ نارٍ ... ويوشكُ أن يكونَ لَهَا ضِرَامُ فإنَّ النارَ بالعُودَين تُذكَىَ ... وإنَّ الحربَ أولُها كلامُ فإنْ لم يُطْفِها عُقلاءُ قومٍ ... يكونُ وَقُودَها جثثٌ وهَامُ فَقُلتُ من التعجبِ: ليتَ شِعْريِ ... أأيقاظٌ أميةُ أَمْ نِيامُ * * * وجاء أوباما إلى الحكم في وضع قريب من هذا الوضع الأموي الذي انتهى بسقوط بني أمية سنة 132ه. • كانت أمريكا على عهد بوش الابن –المجرم الثاني بعد أبيه المجرم الأول بوش الأب- قد فشلت في الحفاظ على أنها الدولة الأعظم والقطب الأوحد، وذلك بعد أن بدَّد (بوش الابن) ثروة أمريكا في مغامرات عسكرية فاشلة وحروب إبادة.. وبالتالي بدأت أمريكا في عهده تترنح، وإن كان طغيانه جعله يخادع ويحاول أن يخفي هذا الترنح الكبير.. وفي هذه الحالة ظهر أوباما -الذي نُصَرُّ على عبقريته- فوجد أمريكا في حالة قريبة من الفوضى واللانظام ..وبدأ (أوباما) يتخذ سلسلة إجراءات وخطط ليجعل أمريكا تحصل على من يحمل الهمَّ الإمبراطوريَ معها.. حتى وإن تقاسم زعامة العالم ..ووجد في الصين والهند ضالته. لقد تخلّت أمريكا- كما يقول منير شفيق (جريدة الميزان 7 مايو2010 أمريكا).(عن نظرية الانفراد التي كانت قد تجلّت في عصر كلينتون ..وبصوره أكثر وضوحاً واندفاعاً في عهد بوش..) وكان غزو العراق الذي صوره بوش علي أنه حرب خاطفة مقدسة أملاها عليه الرب، ثم كان ينوي أن يتجه بعدها إلى مصر والسعودية وغيرهما- فكانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير (بوش الابن)، فغرق في مستنقع العراق، حتى وإن أباد -عليه اللعنة الإلهية الأبدية- من الملايين مدنيين وعسكريين... ومرة أخرى بوضوح الكاتب الإسلامي الكبير (منير شفيق) هذا التردي فيقول: كانت أمريكا علي يد بوش قد فشلت في إقامة نظام عالمي أحاديّ القطبية، وفشلت في إقامة نظام عالمي متعدد القطبية بقيادتها، وفي إيجاد معادلة محددة تحكم حالة نظام عالمي جديد، وضمن هذه الحالة من اللانظام الأقرب إلى الفوضى يسود الخوف، بدرجات متفاوتة، من تداعياتها من قبل أمريكا. ولقد برز هذا الفشل بصورة خاصة في غزو العراق واحتلاله، حيث تشكلت مقاومة عرقلت بقوة عملية بسط الهيمنة العسكرية وجعلت الاحتلال يبحث عن تحالف دولي، بعد أن راح يتخبط أمام خسائره البشرية. ثم جاء الفشل المدوي في حرب إسرائيل على لبنان في يوليو 2006م، أمام المقاومة بقيادة (حزب الله) وبدعم سوري- إيراني مباشر وشبه مباشر، ثم تكرِّس الفشل نفسه في حرب 2008-2009 في (قطاع غزة). وأخيراً جاء انفجار الأزمة العالمية التي أضعفت بصورة خاصة الدور الاقتصادي الأمريكي وأفشلت عملية عملياً مشروع إقامة النظام الاقتصادي العالمي علي أساس العولمة. ومع أن أوروبا -كما يقول (منير شفيق) في مرحلتها الجديدة المتمثلة في عهد (ميركل) في ألمانيا والفاشل المُنْحل (ساركوزي) في فرنسا و الأحمق (برلسكوني) في إيطاليا، لها قوتها الكبرى إلا أنها أصبحت شبه ملحقة بالسياسات الأمريكية..ولكن هذا الإلحاق الراهن لا يعود السبب فيه إلى قوة أمريكا، وإنما لضعف القيادة في هذه الدول، ووقوعها تحت ضغط إبقاء أمريكا قوية لتجنب صعود القوى الدولية الأخرى.هذه المعادلة الجديدة أضعفت دور أوروبا في العالم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. والحق إن عدم إدراك هذا المبدأ هو الذي جعل بعضهم يستسهل اعتبار الدول الكبرى قد استسلمت لأمريكا وتركتها تقرر مصير النظام العالمي وقضايا العالم كما يحلو لها؛ بل عدم "الإدراك" نفسه بأن لظاهرة الانفراد الأمريكي – مع كل ما تتمتع به أمريكا من أنانية وأطماع هيمنة إمبريالية – يتعارض مع مصالح الدول الكبرى خاصة، والدول الوسطى والشعوب بعامة. وأخيراً فإن أمريكا في ميزان القوة وفي معادلة التنافس والتدافع بين الدول والشعوب غير قادرة على الفرض والبناء، وإن لم تفتقد القدرة على تعطيل إقامة نظام عالمي سلبي، أو على الهدم والتخريب والتشويش، وحتى على شن حروب الغزو والاحتلال، ولهذا اتسم الوضع العالمي بحالة اللانظام المائلة أكثر للفوضى. وهذه هي الحالة التي واجهها (أوباما) وهي القضاء والقدر الذي هو أقوى من إرادة الإنسان. • وهنا كان لابدَّ أن تتواضع أمريكا وتعترف بالأمر الواقع وتدخل في ميدان التنافس مع القوى التي كانت تعتبرها في الظل قبل ذلك ..فتنافست مع الصين والهند واليابان وغيرهما.. لقد بدأت أمريكا تنهار أمام نفسها وأمام العالم..وقد أصبحت ديونها فلكية.. • وجاء أوباما ليواجه هذا الواقع الذي يفوق طاقته وقدرته لا سيما في ظل (اليمين المحافظ) الذي لا يزال يؤمن إيمان العميان ب (المسيحية الصهيونية) و(أساطير العهد القديم).. و(اللوبي الصهيوني) المسيطر بأساليبه غير الأخلاقية على خداع الشعب الأمريكي الطيب.. • لكن الذي يعمل بدأب على سقوط أمريكا وهو لا يهمه أمرها، هو في حقيقة الأمر كالجرثومة التي تأخذ من الجسم أفضل ما فيه وتقتله، وتهمه بالدرجة الأولى مصلحة الصهيونية وإسرائيل ولا تهمه مصلحة أمريكا في شيء. ومهما بذل أوباما من جهد فإنه لن يستطيع -كما لم يستطع مروان بن محمد الأموي- إيقاف سقوط الطوابق العليا بعد أن سقط الأساس..!! * أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية ، رئيس تحرير مجلة التبيان