عادت للمنزل وهي تكاد تطير فرحا ومعها خمسون جنيها مكافأة ! هكذا كان حال إبنتي دينا طالبة التانوية العامة بعد عودتها من درس التاريخ ..لم تكن سعادتها بالمبلغ ولكن بشعورها بالتميز و بالتشجيع الذي نجح فيه المدرس بامتياز، فرغم الحشو في المنهج، إلا أن أساليبه الغير تقليدية مع الطلاب، بدءا من الشرح السلس وشكل الملزمة المبتكر الجذاب، حيث وضع صورته عليها وفوق رأسه طربوش وكأنه أحد أبطال التاريخ ، والمكافآت الفورية والمسابقات الدورية، والاستعانة بالافلام التسجيلية والحكايات والقصص التي يتخللها المرح، كل ذلك جعل درس التاريخ من أمتع الأوقات عند إبنتي، فهي تشعرأنها ذاهبة للترفيه وليس للدراسة وتخرج من الدرس في حالة استيعاب كامل ! وهذا المدرس ليس النموذج الوحيد ولكن كل مدرس له طريقته و جميعهم يحملون شعار:إجذبني وعلمني! إستوقفني حال ابنتي وخاصة بعد أن قرأت خبرا أخجلني وهو تصنيف مصر كأسوأ بلد في العالم من حيث جودة التعليم الابتدائي ونتنافس علي حمل اللقب مع اليمن ! وذلك وفقا لأحدث تقرير صادر منذ أيام عن المنتدي الاقتصادي العالمي لهذا العام إ أنا بالطبع لا أشجع الدروس الخصوصية التي اضطررنا للجوء إليها بحثا عن المجموع لنجاري نظام التعليم العقيم، ولكني فقط أقدم نماذج لطرق تدريس ناجحة يمكن أن تغير يوما ما هذا التصنيف المخجل إذا طبقت تم تطبيقها وتعميمها في المدارس وأرجو أن تتعلمي منها يا.. وزارة التربية والتعليم ! فقاعات ملونة مررت بجواره علي ناصية شارع شريف، فضغط بإصبعه علي زناد المسدس لتنطلق منه عشرات الفقاعات الملونة، تحيط بي من كل جانب وتحملني معها لعالم آخر .. عندما كنت في الخامسة من عمري وكان والدي يعمل وقتها بلبنان، وكان هناك محل صغير تحت منزلنا وكل ما اتذكره أنني كنت أشتري بكل ما يصل ليدي من نقود زجاجات فقاعات، وأستمتع بنفخها ورؤيتها وهي تتطاير حولي بكل ألوان الطيف فأشعر بسعادة تغمرني ..وكنت أعرض علي أمي وأبي أن أغني لهما أغنية "الطشت قالي "مقابل ليرة، وكانا يستجيبان لي لتحقيق مرادي ..ورغم أن الفقاعات تلاشت بعد لحظات، ولكن ذكريات الطفولة البريئة مازالت باقية، ولا أعرف سر غرامي بهذه اللعبة منذ طفولتي حتي الآن ؟ربما لأنني طوال حياتي أقابل أشخاصا يشبهون تلك الفقاعات، ملونون من الخارج وفارغون من الداخل، في لحظة يصبحون..لا شئ ، ولذلك أحتفظ بزجاجة صغيرة أستخدمها كثيرا لأنفخ الفقاعات في الهواء وأراها تتطاير بعيدا، وكأنني أبعد كل هؤلاء ومعهم الأفكار السلبية والذكريات المؤلمة فيتلاشوا في لحظات، ثم أنفخ مرة أخري لأشاهد أحلامي وآمالي تكبر شيئا فشيئا وتملأ الدنيا بهجة.. حتي حياتنا عبارة عن فقاعة كبيرة ستتلاشي يوما ما، فلنستغل فرصة وجودنا داخلها ونلونها بألوان مبهجة مع الله ومع من نحب، و نجعلها ذكري تعيد لنا وللآخرين البسمة ولا تحمل لنا أو لهم الألم .. إبتسم البائع وأنا أشاهد الفقاعات لإعتقاده أنني سأشتري، ولكنني أكملت سيري فأنا أفضل الزجاجة.. ولا أغير "الصنف "! قصاقيص: الحياة ليست بحثا عن الذات.. بل هي رحلة لصنع الذات.. إصنع من نفسك شيئا يستحيل تقليده. ما أجمل أن تسير بين الناس ويفوح منك عطر أخلاقك (غاندي)