منير عامر كان الخميس بالنسبة لي يوما يحمل من السحر فوق خيالي فقد زرت بيت الفنان ممدوح عمار وزوجته الفنانة إكرام عمر. أما ممدوح عمار فهو قصيدة إبداع ملون يصعب علي أي كائن أن يتعرف علي عمقها، فكل مرة أري لوحة له أري خلاصة حضارات كثيرة تطل من اختياره الدقيق لكل خط ولون، ليتوهج في الأعماق هذا الجمال اللا نهائي الذي يهبه الفن لمن يحب الفن. أتوقف عند لوحة لممدوح عمار جاء من يشتريها بمائتي ألف جنيه، ولكن ممدوح قال "أسف ليست للبيع" والسبب أو عمرها بالنسبة له ممتد من أن رأي بعيون البصيرة قبس الإيمان بأن الوجود في الدنيا لا يحتاج إلي أن تمتلك كثيرا، ولكن أن تزهد كثيرا فكلما زهدت امتلكت من الحرية فوق ما تتخيل، واللوحة كانت جزءا من مشروع التخرج من الفنون الجميلة عام 1952 وهي تحمل طزاجة التواصل مع "إيمان العوام" وهم مجاذيب سيدنا الحسين. و"إيمان العوام" هو ما تمناه الإمام حامد الغزالي بعد أن عرف ودرس وغاص في رحلة فهم الدين إلي أبعد مدي ثم هتف بهذا النداء يمكن أن يستقر بالإنسان علي شاطئ اليقين دون عودة إلي لحظة من الشك. ولم أر في تاريخ عمري من يقدس الفن أكثر من المادة سوي ثلة قليلة ممن وهبتهم السمآءصفاء غير محدود وقلة في القدرة علي التعبير عما يملكونه، من ثروة نفسية هائلة، منهم هذا الزاهد صاحب الكبرياء ممدوح عمار، وتشاركه في ذلك زوجته الفنانة إكرام عمر التي رأت عبر رحلتها الشديدة الخصوصية ان تنظر إلي الفن كرحلة من القداسة تستحق أن تعاش فهي من اتخذت لنفسها منهجا جديدا في التلوين بالخيوط والأقمشة، إلي الدرجة التي ترسم فيها لوحات كبيرة تحتوي علي خيالات تبدأ من الطفولة وتستمر إلي الطفولة الاخري، وأعني بالطفولة الاخري هي تلك الرحلة من الصفاء التي يهبها الذوبان الصوفي في الكون، وهي الطفولة التي تغرقنا بعد أن نقبض الريح من تعاملنا من البشر الغارقين في تجاهل جمال ما في حياتهم من عطايا إلهية. اتوقف عند لوحة "الطواف" لهذه المبدعة النادرة واللوحة مصنوعة من قصاقيص قماش بيضاء وسوداء وخضراء وجملتي الأخيرة ما يحمل التبسيط المخل الذي لا يعبر ابدا عما تهبه تلك اللوحة من صفاء نفسي نادر. خرجت من بيت الفنان ممدوح والفنانة إكرام وأنا أسجد لله شكرا أن أوجد لي عيوني كي أري هذا الصفاء الراقي الذي يرتقي بي إلي مدارج كونية لم أرها من قبل. عرفت لماذا خلق الله العيون التي يمكن أن تري هذا الإيمان الموسيقي الذي يعرف الجمود في بيت يقدس الفن.