"ألف رحمة ونور عليك يا مصطفي بيه". أقصد الأستاذ - فعلًا لا قولًا - مصطفي أمين مؤسس وصاحب دار أخبار اليوم مع توأمه علي أمين رحمه الله. والتوأم كانا أسطورة صحفية وإنسانية فريدة من نوعها. الحديث عن قصة تلك الأسطورة يطول، وربما يحتاج إلي مئات الصفحات، لكنني هنا أتحدث عن لمحة صغيرة من لمحات عديدة وعظيمة حفلت بها حياتهما الغنية بكل ألوان العطاء. أتحدث عن الحب كمعني عظيم وقيمة عليا جعلا منها مفتاحًا سحريًا لنجاحهما وطاقة جبارة لتحقيق أحلامهما الكبيرة كرائدين استطاعا تمصير الصحافة المصرية في أربعينيات القرن الماضي وبالتحديد عندما أسسا جريدة أخبار اليوم وأصدرا العدد الأول منها في 11 نوفمبر عام 1944 لتحدث انقلابا حقيقيا في الحياة الصحفية ودويًا مؤثرًا ترجمته أرقام التوزيع غير المسبوقة وإقبال القراء وارتباطهم بجريدتهم الأثيرة. سألت أستاذي القدير مصطفي أمين : ما سر هذه الخبطة أو النجاح غير المسبوق لأي جريدة في ذلك الوقت؟ فأجابني بكلمة واحدة : الحب! قلت بدهشة :كيف ؟ قال: أخبار اليوم بنيناها ونجحنا كل هذا النجاح الذي فاق توقعاتنا لأننا عشناها كقصة حب .وهبنا لها فكرنا وجهدنا ومالنا بلا شروط ولم نكن نعرف وقتها هل سننجح أم سنفشل؟!، كل ما كان يدفعنا تلقائيا للتفاني في العمل بلا توقف هو الحب. الحب لتلك المهنة التي عشقناها والعطاء بكل ما تحمله الكلمة للحبيبة. والحب الحقيقي هو الحب غير المشروط، الحبيب يمنح ذاته ولا ينتظر مقابلا، هذا ما حدث وهذا ما جعل الحبيبة تبادلنا الحب بحب أكبر وتثمن عطاءنا فتمنحنا أعظم هبة وأروع مكافأة وهي النجاح والوجود . وهل لهذا فكرت في أن تجعل للحب عيدا ؟ نعم لأنني أومن بالحب كقوة سحرية قادرة علي صنع المستحيل فعلاً لا مجازًا، فكرت في أن نجعل للحب عيدا تنتعش فيه ذاكرتنا الوجدانية ونستعيد إحساسنا بإنسانيتنا .نتذكر أستاذاً في طفولتنا أثر في حياتنا أو كان له الفضل في توجيه بوصلتنا بشكل إيجابي. نتذكر أشخاصاً باعدت بيننا وبينهم ظروف الحياة وماديتها القاسية، نراجع أنفسنا ونقومها، معاتبين أنفسنا علي تقصير كبير ارتكبناه بتجاهلنا لحق آخرين علينا، قد يكون أماً أو أباً لم يعد لدينا وقت لنمنحهم من أنفسنا وأوقاتنا بحجة انشغالنا وزحمة أعمالنا ومسئولياتنا .قد تكون أنانيتنا وتمحورنا حول أنفسنا الذي أنسانا أن نهتم بأشخاص في حاجة إلينا، ضعفاء أو بسطاء أو مرضي كان من الممكن أن نمد لهم يد العون ولم نكلف أنفسنا جهدا أو فكرا أومالا حتي ننقذهم من محنة يعيشونها. الأمثلة كثيرة ملخصها أن الحياة العصرية بإيقاعها اللاهث الرهيب، وتعقد أسلوب المعيشة فرمت إنسانيتنا، وجعلتها تتآكل وتتضاءل عند الكثيرين. عيد الحب هدفه هو أن نستدعي إنسانيتنا. هكذا فكر مصطفي أمين في عيد الحب واستشار القراء في تحديد اليوم فجاءت أغلبية الأصوات محددة يوم4 نوفمبر للاحتفال به .ولاقت الفكرة قبولا وترحيبا من المصريين لدرجة أننا تبادلنا فيه الزهور والرسائل المليئة بأجمل المشاعر وأرقاها. واليوم أتذكر كل هذا وأترحم عليه وأقول : أين ذهبت تلك المعاني العظيمة؟ كيف نستعيد إنسانيتنا التي تنتهك كل يوم ؟ وهل يمكن أن نستدعي ذكريات عيد الحب الذي كان ونحاول أن نعيشها ؟ هيا بنا نفعل!.