أيام قليلة تفصلنا عن عيد الأم. هذا العيد الذي دعا إليه رائدا الصحافة المصرية مصطفي وعلي أمين. وهو عيد حظي بحضور واسع في كل البلاد العربية وليس مصر وحدها. أراد الإخوان أن يؤسسا لقيمة كبيرة في حياتنا ففكرا في أن يكون للأم عيد نتذكرها فيه سواء كانت لا تزال علي قيد الحياة أو كانت في رحاب الله. سألت أستاذي الراحل مصطفي أمين ذات يوم لماذا تبنيت هذه الفكرة وجعلت أبناء كثيرين يبكون أمهاتهم اللاتي رحلن عن الحياة؟ أجابني بابتسامته المعهودة قائلاً أليس لهؤلاء الأمهات اللاتي أعطونا حبهن وحنانهن وأفنين حياتهن من أجلنا أن نبكي عرفاناً منا بفضلهن ولو يوماً واحداً في السنة؟. كانت الفكرة عظيمة، لذلك عاشت عشرات السنين وأصبحت عيداً محفوراً في وجدان الشعب المصري والشعوب العربية كافة . وهذه قيمة الأفكار العظيمة التي تحيي في نفوسنا قيماً إنسانية رائعة تعيد إلينا الإحساس بآدميتنا وتنعش مشاعرنا الإيجابية لفعل شيء له قيمة. لقد كان مصطفي أمين يؤمن بأن الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق، وظل حتي آخر يوم في عمره يزور قبر أمه في عيد الأم ويكتب أجمل الكلمات في عموده الشهير (فكرة) ليوقظ الضمائر ويحرك القراء ويدفع الناس إلي تذكر الأشخاص الذين كان لهم دور مؤثر في حياتهم وعلي رأسهم الأم. ما أحوجنا الآن إلي تلك الأفكار في وقت ازدادت فيه المشاعر الحادة و تراجعت فيه قيم التعاطف والحب والعطاء . ما أحوجنا إلي كتاب من نوعية مصطفي وعلي أمين اللذين كانت كلماتهما تحرض القراء علي أن يكونوا بشراً حقيقيين يحسون بغيرهم ويحاولون أن يصنعوا شيئاً للآخرين، لقد كانت ثورة 25 يناير نقطة تحول كبيرة في تاريخ مصر فقد أثبتت أن إرادة شعب أقوي من أعتي النظم الديكتاتورية لكنها بكل أسف كانت لها آثار جانبية مخيفة فقد أفرزت عنفاً غير مسبوق بين أفراد الشعب المصري، وجعلت السلوكيات تهوي إلي الحضيض فرأينا القتل في الشوارع والاغتصاب في وضح النهار والتحرش كل لحظة وفي كل مكان كما شاهدنا صوراً من المشاعر العدائية بين الناس وبعضهم لم نعهدها في شعبنا الذي كان يوصف بالطيبة والتكافل والحب. ليتنا في عيد الأم نعود إلي أنفسنا ونراجع أوراقنا ونستعيد مشاعر المحبة والامتنان والاحترام التي دسنا عليها خلال العامين الماضيين. ليتنا نعود أبراراً بوالدينا ممتنين لأساتذتنا. مهمومين بالفقراء المحتاجين المهمشين .ليتنا نفعل شيئاً حقيقياً من أجل الأم الكبيرة : مصر.. شيئاً يعيدها إلينا ويعيدنا إليها مرة أخري. وبالطبع يجب أن نفكر جميعاً في ماذا نقدم لأمهاتنا العظيمات الأحياء منهن والأموات في ذلك اليوم العظيم.. كل سنة وكل أم طيبة وسعيدة. وإليهن جميعاً أكرر كلمات الأغنية الخالدة للفنانة فايزة أحمد: يا رب يخليكي يا أمي.