تحولت المقاهي خلال السنوات المنقضية من مكان تشرب فيه فنجان الشاي او القهوة الي صالونات للحديث في السياسة، حيث تجد اذا ما ذهبت الي مقاهي وسط القاهرة انها الرحم الذي خرجت منه الحركات الثورية والسياسية وشباب الثورة، وفجرت هذه المقاهي ثورة الخامس والعشرين من يناير وما تلاها من موجات ثورية حتي كانت ثورة 30 يونيه، 3، 26 يوليه ضد حكم جماعة الاخوان لتعود المقاهي لممارسة دورها السياسي الذي كان ما قبل ثورة 1919 حيث كان الادباء والمثقفون يتجمعون علي المقاهي يتبادلون الحوارات والخطب الحماسية والتخطيطات ضد الاحتلال الانجليزي، المثقفون والشباب الثوري يلتقون علي المقاهي، يعقدون اجتماعاتهم ويتخذون قرارات تخص الحركة في الشارع ومستقبل الوطن، تتحدد من علي المقاهي المشاركة السياسية وبرامجها، توزع عليها البيانات والاستطلاعات، دائماً تجد حلقات دائرية للنقاش في السياسة علي أنغام الطرب وزهر الطاولة والدومينو، بعض المقاهي يقال انها للشيوعيين، اخري لليساريين، ومقاهي للعلمانيين، لدرجة ان الاخوان عملوا مقاهي بوسط القاهرة لجمع معلومات عن السياسيين والحركات الثورية . خرجت منها ثورة 1919 .. وشباب يناير .. وطوفان 30 يونيو وأصبحت منتديات عامة عزة كريم: السياسة أصابت المصريين بالتوتر .. والحل في يد الحكومة مارست المقاهي النشاط السياسي منذ بداية الحركة الوطنية في مصر، يجلس عليها المثقفون وأهل الخبرة والسياسة وصناع الراي العام يبحثون مصير ومستقبل الوطن، ومنها خرج ثوار 1919 يهتفون لأول مرة بسقوط بريطانيا العظمي، ومحل اغروبيب الذي كان قبلة فاتنات السينما المصرية مثل فاتن حمامة ونادية لطفي وهند رستم وعمر الشريف وأحمد رمزي وغيرهم لتناول ألذ آيس كريم. حول انتشار ظاهرة المقاهي السياسية تأتي السطور التالية : وسط البلد اذا ذهبت الي منطقة وسط القاهرة - وسط البلد- كما يحلو للبعض ان يقول عنها، فستجد النقاشات السياسية علي أشدها وبخاصة في منطقة البورصة، وشارع سليمان باشا و26 يوليو ومقاهي باب اللوق، حيث يجلس السياسيون والكتاب وأهل الرأي يبحثون عن مستقبل الوطن ويضعون التصورات والسيناريوهات، يتباحثون في الأوضاع السياسية، تجدهم وقد اختلفت أعمارهم بين الشباب والشيبة والصبية، رجال ونساء يدردشون مع بعضهم البعض حول الأوضاع الحالية. اقتربنا منهم لنعرف ما يدور في جلساتهم، فوجدناهم يتحدثون عما يحدث بميدان رابعة العدوية وبمحيط الاتحادية وعن الاعتصمات بميدان التحرير، وعن ثورة 30يوليو وما حدث بعد ها في 26 يونيو، اراء واختلافات كثيرة ومشادات بين المؤيدين والمعارضين، الاشتباك دائر حول ما حدث في مصر، هل هو انقلاب ام ثورة ؟؟ في أحد المقاهي الواقعة في قلب العاصمة، وعلي بعد عشرات الأمتار من ميدان التحرير مقر اعتصام القوي السياسية المطالبة بمدنية دولة والمناهضة لجماعة الاخوان المسلمين جلس الكثيرون يتحدثون عن وجهات نظر مختلفه بشأن الوضع الراهن، أحدهما مؤيد للرئيس مرسي وإعلانه الدستوري والآخر رافض للطريقة التي أدار بها الرئيس البلاد، وكان النقاش مثمرا لانهم يستخدمون ادب الحوار والاختلاف اثناء مناقشة افكارهم . " الاول كانت القهوة مكان نتجمع فيه انا واصحابي ونطلع همومنا كلها .. لكن الان تحولت الي مكان للتعبير عن الراي والتعليق علي ما يحدث في مصر "، بهذه الكلمات بدأ " رضا مسعد" طالب الهندسة حديثة معنا قائلا يصيبني التعصب كلما تكلمت في السياسة علي المقهي بسبب الاختلافات مع اصحابي في الراي ، حيث كثر ت الموضوعات محل النقاش في الفترة الاخيرة بعد قرار الجيش عزل الرئيس السابق محمد مرسي وثورة 26 يوليو ، يقول " انا مؤيد لقرارات الجيش وضد ما يحدث الآن بميدان رابعة والنهضة واطالب بفض الاعتصام باي شكل من الاشكال، فالاخوان المسلمون وفي مقدمتهم " مرسي" في بداية حكمهم لمصر تحدثوا عن التغير الذي يحدث بعد 100 يوم والشعب صبر عاما كاملا في ظل تدهور اقتصادي واهمال للتعليم والملاحظ ان بعد هذا العام من الحكم زادت الديون . يطالب رضا الاخوان بعدم السعي في التهلكة و بضروره فض الاعتصام حتي لا ينفتح موج دماء في شوارع مصر، طارحا سؤلا للشيوخ، لماذا تفرقوا بين الاخوان المسلمين والمسلمين؟ وبينما هو يتحدث ان الجيش تدخل لانقاذ مصر في الوقت المناسب وان قرارات السيسي جاءت استجابة للشعب وليس انقلابا عسكريا، تدخل " هشام السيد" طالب جامعي "في الحديث معترضا علي كلام " رضا " قائلا ان ما حدث انقلابا عسكريا والسكوت ممنوع في هذة الحالة، فالاخوان حكموا مصر سنة وهذا لا يكفي لاثبات كفاءتهم، وكان هناك ترتيب من الدولة بدا في قطع الكهرباء والبنزين واشياء اخري،وبعد 30 يوليو توفر كل شيء في البلد، واصفا مايحدث في رابعة بانه اعتصام سلمي وفي إطار الديموقراطية التي تسعي اليها جميع شعوب العالم، رافضا استخدم قوة لفض الاعتصام . واكمل " محمود محسن " في الحديث قائلا" انا والدي طردني من البيت بسبب الاختلاف في الراي السياسي الاخيرة، مؤكدا ان " الفيس بوك " سبب رئيسي لتحويل المقاهي الي حلقات نقاشية . تحدث " ابراهيم علي " مدير شركة، ذاهبا الي ان الحديث والنقاشات المستمرة علي المقاهي واختلاف في الراي أدي الي حالة من الشجار علي المقاهي خاصة وان هناك أمورا تزيد من حدة النقاش بين الأصدقاء قد تفقدهم الترابط والصداقة بسببها . قال لنا انه شعر براحة عندما اصدر الفريق السيسي قراره بعزل الرئيس " محمد مرسي" لان مصر كانت تضيع - علي حد وصفه - مشددا علي ضرورة فض اعتصامي رابعة والنهضة بطريقة سلمية بعيدا عن الدم، ويناشد الاخوان ان الشرعية هي صوت الشعب الذي قام بثورة 30 يوليو، مؤكدا ان اكثر المواضيع حساسية وتتسبب في مشكلات علي المقهي هي فض الاعتصام . ويقول صديقه " مهمد امق" تركي الجنسية صاحب شركة، مؤيد للاخوان يذهب الي ان السياسة أصبحت حاضراً أساسياً علي المقهي، مضيفا ان الاخبار التي تنشر علي شاشة التليفزيون تثير الجدل علي المقاهي طوال فترة وجوده هو وأصدقاؤه. شجار مع صديقاتها وعلي الجانب الآخر، قالت " ايناس محمد" مصممة ازياء انها تكره الحديث في السياسة، خاصة عندما تتجمع مع اصدقائها علي مقهي " البورصة " ، حيث أن صديقاتها مؤيدات للإخوان بينما هي معارضة لهم، وما ان تحدثن في السياسة دب الشجار، مشيرة الي انها شاركت في ثورة 30 يوليو و تؤيد قرارات السيسي، وتطالب بفض الاعتصام باي وسيلة لاستعادة الامن مرة اخري، و الاهتمام بالسياحة والاقتصاد ودوران عجلة الانتاج . استطلاع رأي وبينما دار الخلاف علي معظم الترابيزات في المقاهي ما بين مؤيد ومعارض، وجدنا بعض الشباب وقد فكروا في تحويل الجلوس لتناول الشاي والقهوة الي فرصة للعمل، فطرح احد محرري الصحف سؤال حولا كيفية إنهاء الأزمة الحالية للخروج من جو الصراع الفكري والخلاف في الراي ؟ رد " خالد الجندي " - 26 سنة - بقوله " لا يوجد حل للخروج من الازمة وذلك لان الجميع يلعب بالسياسة من اجل تحقيق مصالحه الشخصية، فيغيب هنا الاتفاق من جميع القوي السياسية للوصول الي حل . قاطعه " احمد حنفي" - 14 سنة- بقوله " لا بديل ولا حل الا بالحوار المجدي وليس الجدل والنقاش وضروري ان يتفق الجميع قبل الحوار علي تنفيذ ما انتهي الية الحوار حتي وان جاءت النتيجة مغايرة لرأي البعض . تدخلت " شرين حنفي " في الكلام - 26 سنة - واشارت الي ان قرار عزل مرسي صحيح ولكن وجب عليه تدعيم قراره باقصاء جميع المؤيدين للمعزول، مطالبين وزير الداخلية بفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بالقوة، فوافقتها الرأي" مني عصام" - 23 سنة- لكنها حذرت من اسالة الدماء خاصة مع وجود اطفال في الاعتصام . ودعت " نورا ابراهيم" - 21 سنة - الي فض الاعتصامات الموجودة بالميدانين بالسلمية، عن طريق الحوار لانه الحل الوحيد للخروج من الازمة وبعد ذلك يقدم المتواطئين الي محاكمة عاجلة . كلام في السياسة قالت " الدكتور عزة كريم" استاذ علم النفس والاجتماع أن المصريين أصبحوا يتحدثون في السياسة طوال 24 ساعة خاصة بعد ثورة 25 يناير، مشيرة إلي أن ظاهرة باتت واضحة تتمثل في حديث كل فئات الشعب عن السياسة فقط، فمعظم المقاهي ترفع شعار "مش عايزين كلام في السياسة بدل ما تتقلب لخناقة"،مضيفة أن السياسة أصبحت أمراً مقلقاً الآن، و أن بعض المصريين أصابهم التوتر الشديد بسبب الأحداث الراهنة، مما أثر علي احتفالهم بشهر رمضان، حتي أن زينة الشوارع قلت، والفوانيس قلت علي أسطح البلكونات. وعن الحلول المقترحة لحالة التوتر النفسي التي سيطرت علي المصريين، اشارت الدكتورة عزة الي أن العلاج يبدأ باتخاذ خطوة لحل المشكلة الرئيسية علي أرض الواقع من قبل الرئاسة والحكومة، حتي تستقر الدولة من جديد.