نالت ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية فى البحر الاحمر اهتمامًا رئاسيًا بعد عرض الظاهرة وتسجيل أعلى معدلات الإصابة هذا العام. وطلبت الأجهزة المختصة بوزارة البيئة تقريرا عاجلا عن الظاهرة وحجمها ومدى تأثيرها على الشعاب المرجانية وتحديد الطرق العلمية لمواجهتها وتقليل أضرارها على الشعاب المرجانية. وكشف التقرير الصادر عن فريق علمى برئاسة الدكتور محمود حسن حنفى، أستاذ البيئة البحرية- كلية العلوم- جامعة قناة السويس، ومشكل من جهات علمية وبحثية متخصصة فى علوم البحار والبيئة البحرية والشعاب المرجانية والاستشعار عن بعد، أن الظاهرة نتيجة تغير المناخ وتأثيره على الحيد المرجانى للبحر الأحمر. وأوضح التقرير أن الظاهرة حدثت نتيجة ارتفاع درجة حرارة مياه البحار، ما يؤدى إلى هجرة الطحالب القاطنة داخل حيوان المرجان «الزوسانسيلى»، وبالتالى ابيضاضها وموتها لأنها تعيش تكافليًا مع الطحالب وحيدة الخلية، وأفاد التقرير بأن العالم يعانى من هذه الظاهرة وأن أغلب العلماء يعتقدون أن المرجان فى العالم قد ينتهى خلال هذا القرن، ما يؤدى إلى اندثار النظم البيئية للحيود المرجانية فى المناطق الاستوائية، التى فقدت مساحات الكساء المرجانى نتيجة ظاهرة الابيضاض؛ فعلى سبيل المثال فقد الحاجز المرجانى الأعظم فى أستراليا 50 ٪ من الكساء المرجانى نتيجة موجة حر واحدة لا تتعدى أسابيع فى عام 2017. ولفت التقرير إلى أن الحيود المرجانية تعد من أهم النظم البيئية على كوكب الأرض، فمن الناحية البيئية تعد أكبر النظم البيئية بشأن إنتاجيتها وتنوع الكائنات بها، مقارنة بالغابات الاستوائية، ومن الناحية الاقتصادية هناك مئات الملايين فى العالم يرتبط رزقهم بهذه النظم؛ فى مجالات السياحة والصيد وإنتاج الدواء وغيرها. ومعظم العلماء فى العالم يتوقعون اندثار المرجان فى العالم خلال هذا القرن. وأفاد التقرير بأنه قد تم تسجيل أول ظاهرة لابيضاض المرجان فى البحر الأحمر عام 2012؛ تلاها حدوث هذه الظاهرة فى عامى 2020، 2023 والعام الجارى. وذكر التقرير أنه تم مسح الساحل المصرى بالكامل، ويمكن تلخيص النتائج فى أن هذه الظاهرة تحدث فى الجانب المصرى فى شهر أغسطس. وكشف التقرير أن الجزء الشمالى لم يحدث فيه ابيضاض للمرجان فى حين أن الابيضاض ظهر فقط فى المنطقة الجنوبية؛ خصوصًا جنوب مدينة مرسى علم، وأنه خلال السنوات 2012، 2020، 2023 اقتصرت الظاهرة على جنوب مدينة مرسى علم، ولم يسجل أى ابيضاض شمال مدينة مرسى علم وخليجى السويس والعقبة، وأن معدل الابيضاض فى هذه السنوات كان متشابهًا ولنفس أنواع وأجناس المرجان، وتراوحت نسب الابيضاض بين 30-50٪ للأنواع التى تأثرت، وفى المجمل لكافة الكساء المرجانى لم يتعد فى المتوسط العام نسبة 10٪، وفى جنوب مرسى علم فقط، واقتصر الابيضاض على 5 أنواع أو أجناس من المرجان وبنسب ما بين 20٪– 60 ٪ من مساحة هذه الأجناس. وأضاف التقرير أنه بعد دارسة معدل استشفاء المستعمرات المصابة بالابيضاض، عبر وضع علامات عليها وإعادة مسحها بعد شهرين من الإصابة، حدث استشفاء بمعدل ما بين 70٪–85٪، من هذه المستعمرات. وتم وضع عدد كبير من مستعمرات المرجان المتأثرة بالظاهرة تحت الملاحظة، وإعادة فحصها فى شهر نوفمبر لتحديد معدل الاستشفاء، وقدر معدل الاستشفاء بنحو 70٪، وهو أعلى معدل للاستشفاء. تجدر الإشارة إلى أن عمليات المسح المبدئى لدراسة معدل الاستشفاء للمستعمرات التى تعرضت للابيضاض مازالت مستمرة وسيصل الفريق العلمى للنتائج النهائية بشأن قدرتها على الاستشفاء من عدمها، خلال نوفمبر المقبل، ومن المقرر إعداد فريق البحث تقريرًا علميًا عن مدى تأثر المرجان بالظاهرة. ومن المتوقع أن يكون معدل الاستشفاء، كالأعوام السابقة بناء على ملاحظات ميدانية. وذكر التقرير أنه حول أسباب تحمل مرجان البحر الأحمر فى السنوات السابقة ارتفاع درجات الحرارة، مقارنة بدول العالم والدول المشاطئة للبحر الأحمر، أكد الخبراء المشاركون فى التقرير أن خبراتهم السابقة وأبحاثهم العلمية تؤكد تميز الشاطئ المصرى بظاهرة فريدة هى حركة التيارات المائية ما يخلق منطقة دوامات تسمح بخلط مياه العمق (الأقل حرارة) بالمياه السطحية للبحر، وبالتالى تلطيف درجات الحرارة، وهذا أحد الأسباب الرئيسية لعدم تأثر القطاع الشمالى للبحر الأحمر بظاهرة تغير المناخ وأن ظاهرة ابيضاض المرجان بالبحر الأحمر، ظاهرة فى حركة التيارات المائية التى يتميز بها البحر الأحمر المصرى، التى تعمل على تلطيف درجة حرارة المياه السطحية فى الجزء الشمالى من البحر الأحمر وتوزيع درجات الحرارة طبقًا لهيئة الأرصاد الأمريكية فى أكثر السنوات ارتفاعًا لدرجات الحرارة، وتظهر أقل درجة حرارة فى إقليم البحر الأحمر فى الساحل المصرى وأن حركة الرياح تكون قوية وهى فى الغالبية العظمى شمالية إلى شمالية شرقية، تدفع كتل المياه إلى داخل البحر، وبالتالى يحدث لها إحلال بكتل مائية أقل حرارة تصعد من العمق الاقل حرارة وتلطف درجة حرارة المياه السطحية فى الجزء الشمالى وأن الظاهرة حدثت خلال تغير درجات الحرارة، وأن الفرق بين درجات حرارة مياه البحر بين الصيف والشتاء يزيد على 15 درجة مئوية مقارنة بالمرجان فى المناطق الاستوائية، حيث درجات الحرارة ثابتة طوال العام وبالتالى هى أكثر حساسية لارتفاع درجات الحرارة. وكشف التقرير أن ظاهرة ابيضاض المرجان على الساحل المصرى لعام 2024 قد أحدثت هذا العام تغيرًا كبيرًا، بشأن حدوث الابيضاض على المستوى الجغرافى والعمق، تمثل فى أن متوسط نسبة الابيضاض لطول ساحل البحر الأحمر بلغ 28٪ من نسبة كساء المرجان وأن الظاهرة امتدت على غير العادة إلى الجزء الشمالى للبحر الأحمر وخليج العقبة لأول مرة، لافتًا إلى أن أعلى نسبة للابيضاض حدثت فى جنوب مدينة مرسى وبلغت نسب الابيضاض نحو 56٪ من مساحة الكساء المرجانى وأقلها فى الجزء الشمالى مدينة الغردقة وخليج العقبة وبنسب 9.7٪ إلى 18.4٪ من الكساء الكلى للمرجان، وأن أبيضاض المرجان على الجزء الداخلى من الحيد المرجانى نتيجة انحسار المياه وقت الجزر غير المألوف وتعرضها المباشر لضوء الشمس والهواء، وأن ظاهرة ابيضاض المرجان فى المناطق العميقة للحدود المرجانية فى المنطقة الجنوبية قد طالت بعض الأنواع والأجناس من المرجان التى لم يسجل تعرضها للابيضاض. وأوضح التقرير أنه على غير العادة قد حدثت الظاهرة فى شهر يوليو دون شهر أغسطس، وخلال الشهر الجارى تم تسجيل أعلى معدل انخفاض فى مستوى سطح البحر، مشيرًا إلى أن ظاهرة الابيضاض هذا العام قد اختلفت عن الأعوام السابقة فى بعض النقاط الأساسية، التى أدت إلى تأثر المنطقة الشمالية للبحر الأحمر وخليج العقبة بالظاهرة على غير المعتاد ويمكن تلخيصها فى أنه قد حدث تغير فى حركة التيارات المائية من حيث اتجاهاتها وقوتها ما أثر على القدرة على خلط المياه العميقة الباردة للمياه السطحية، التى تلطف درجات الحرارة فى طبقة المياه السطحية فى المنطقة الشمالية بالكامل ويمتد تأثيرها إلى منطقة مدينة القصير. ولفت التقرير إلى أنه لأول مرة تحدث ظاهرة لانخفاض مستوى سطح البحر إلى حدود وفترات لم تسجل من قبل وبالتالى تعرض مستعمرات المرجان فى المناطق الضحلة للهواء والضوء الشديد المباشر ما أدى إلى ابيضاضها خلال فترات الجزر. وأوضح التقرير تغير مستوى سطح البحر، عبر تسجيل أقل انخفاض فى شهر يوليو، وقت حدوث الظاهرة، على غير المألوف، خلال فترة أقل انخفاض لمستوى سطح البحر وانخفاض شدة الرياح إلى الحدود الدنيا، واستمر ذلك مع انخفاض مستوى البحر أكثر من شهرين، (من نهاية شهر يونيو حتى بداية شهر أغسطس)، ويبرز هذا التساؤل: هل اختلاف ظاهرة التيارات البحرية ناتجة عن ظاهرة تغيرالمناخ، وبالتالى استمرار حدوث ابيضاض للمرجان فى المنطقة الشمالية؟!. إجراءات مقترحة بلا أدنى شك فإن الحيود المرجانية المصرية تمثل قيمة اقتصادية وبحثية وعلمية كبيرة لمصر والعالم وأنها قد تكون آخر ملاجئ المرجان فى العالم طبًقا لأبحاث ومقالات علمية، ولذا يجب أخذ كافة الإجراءات للحفاظ على هذه الموارد والتنوع البيولوجى الفريد. واقترح التقرير حماية مناطق الحيود المرجانية وإعلان مناطق الحيود فى البحر الأحمر محميات طبيعية للتأكد من استغلالها بشكل مستدام وتعظيم الاستفادة الاقتصادية منها وإظهار الوجه الحضارى لمصر بشأن الحفاظ على تنوع بيولوجى فريد يهم العالم على اعتبار أنه قد يكون آخر الملاجئ العالمية للمرجان، موضحًا أن منظمات عالمية تعتبره بقعة أمل حال اندثار المرجان فى العالم، كما يتوقع العلماء اتخاذ كافة الإجراءات للحفاظ على مرونة المرجان المصرى وقدرته على مقاومة ظاهرة ارتفاع درجات حرارة البحار من خلال دعم أنشطة وبرامج الرصد والمراقبة وتطبيق القانون بتوفير الأموال لأنشطة الحفاظ على البيئة، عبر تخصيص جزء من رسوم دخول المحميات لا يقل عن 50٪ لأغراض الحماية، مع العلم أن الدخل من الموارد الطبيعية لمحميات البحر الأحمر لا يقتصر على رسوم دخول الزائرين، وأن الحيود المرجانية فى المحميات الطبيعية تمثل الركيزة الأساسية لصناعة الغوص والأنشطة البحرية التى تقدر بالمليارات، ما يوجب الحفاظ عليها ووقف أنشطة الصيد المدمرة لأن الأسماك تمثل أحد العوامل المؤثرة على مدى مرونة المرجان وتحملها واستشفائها نتيجة ارتفاع درجات حرارة البحر، وقد وصل المخزون الطبيعى لأسماك البحر الأحمر إلى الحدود الحرجة، ما يؤثر على مدى مرونة المرجان وقيمة الحيود كمنبع جذب سياحى، مع وقف أنشطة الصيد التجارى والشنشولا فى مناطق البحر الأحمر لمدة 10 سنوات ووقف أنشطة الصيد الترفيهى 5 سنوات ومنع الصيد خلال فترات تكاثر الأسماك وتعويض الصيادين من خلال صندوق دعم الصياد، ودعم هذا الصندوق من خلال القطاع السياحى الخاص، مع دعم قطاع محميات البحر الأحمر بالكوادر وتدريبهم وتوفير مرتبات مجدية لهم للاحتفاظ بهم ومنع هجرتهم إلى دول الخليج. وأفاد المقترح بأن معدل التنمية فى البحر الأحمر والقطاع السياحى اعتمد على الكم دون الكيف وانتهت بأسلوب من التنمية المكثفة التى لم تأخذ فى الاعتبار القدرة الاستيعابية للبيئة البحرية (أحد محددات التنمية)، وانتهت بزيادة عدد الزائرين على القدرة الاستيعابية للبيئة وجذبت سياحة فقيرة لا تتماشى مع القيم الجمالية والثقافية والعلمية التى تتميز بها الحيود المرجانية لساحل البحر الاحمر؛ فعلى سبيل المثال فإن مواقع الغوص أمام مدينة الغردقة بلغ فيها معدل الغوص أكثر من 200 ألف غوصة فى الموقع الواحد للعام فى حين أن الأبحاث العلمية حددت القدرة الاستيعابية لمثل هذه المواقع ب22 ألف غوصة للموقع الواحد خلال العام، ما يستلزم اتخاذ إجراءات حاسمة لتخفيف ظاهرة ابيضاض المرجان والضغط على الحيود المرجانية ووضع خطط وإعادة النظر فى أسلوب التنمية بطول ساحل البحر الأحمر والاعتماد على الكيف وليس الكم لجذب سياحة راقية وتخفيف الضغوط على البيئة البحرية وتعظيم الاستفادة الاقتصادية من هذه الموارد الفريدة. واقترح تشكيل لجنة من علماء متخصصين لهم باع فى دراسة بيئة البحر الأحمر والتنمية المستدامة لتعديل مسار الأسلوب القائم وتعيين لجنة علمية وطنية دائمة يشترط فيها ما تم نشره من أبحاث ودراسات عن البيئة البحرية للبحر الأحمر، للقيام بأنشطة الرصد ووضع حلول لتخفيف الضغوط القائمة وسد الفجوة المعلوماتية العلمية القائمة لفهم البيئة البحرية ونظمها البيئية وإنشاء قاعدة بيانات خاصة بتأثير التغيرات المناخية على البيئة البحرية وخصوصًا النظم البيئية للشعاب المرجانية الحساسة والفريدة والمهمة اقتصاديًا وعلميًا لمصر والعالم باعتبارها أحد آخر الملاجئ للمرجان فى العالم وتحت مظلة وزارة البيئة ومنظمات المجتمع المدنى، على أن يسند لهذه اللجنة مهام زيادة القدرات الوطنية فى مجال البحث العلمى من خلال باحثين وطنيين وزيادة الاتصال بالعلماء الدوليين فى مجالات التغير المناخى والشعاب المرجانية وإعادة تأهيلها ودعم الأبحاث المشتركة بين العلماء المصريين والأجانب.