المفاجأة التي فجرتها المحكمة الدستورية العليا بمنح ضباط وجنود القوات المسلحة وأجهزة الشرطة حق التصويت في الانتخابات.. مفاجأة أربكت المشهد السياسي في مصر بصورة كبيرة. لم تكن تلك الجهات محرومة من التصويت من قبل.. ولكنها بحكم القانون وليس الدستور معفاة من هذا الحق. ولم يكن هذا الاعفاء بسبب الشك في ولاء هؤلاء المواطنين. ولكنه بسبب إبعادهم عن الصراعات السياسية والتفرغ للمهمة الكبري في حماية الوطن. ولم يكن أحد يعترض من قبل علي هذا الاعفاء لأن الواقع كان يقول ان القوات المسلحة هي التي تحكم وأن الشرطة هي التي تدير.. ولم يكن أي منهما ينظر الي صندوق الانتخابات لأنه لم تكن هناك انتخابات أصلا وأن نتيجة ما كنا نسميه مجازا انها انتخابات كانت محسومة سلفا قبل اجرائها. ومهما كانت النتيجة فان الجيش يحكم والشرطة تدير.. وهما ليسا في حاجة الي انتخابات. في دستور71 مادة الخاصة بحق مباشرة الحقوق السياسية تقول: للمواطن حق الإنتخاب والترشيح وإبداء الرأي وفقا لأحكام القانون وجاء الثانون ليعفي من أداء هذا الواجب ضباط وأفراد القوات المسلحة الرئيسية والفرعية والإضافية وضباط وأفراد هيئة الشرطة طوال مدة خدمتهم بالقوات المسلحة أو الشرطة وبذلك استند الإعفاء إلي أساس دستوري. أمافي دستور2012 فانه يؤكد علي حق المواطنة الذي لا يفرق و يستلزم المساواة بين المواطنين: المواطنون لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم. ومشاركة المواطن في الحياة العامة واجب وطني ولكل مواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأي في الاستفتاء وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق لكن المادة 81 جاءت قاطعة وواضحة لتقول إن الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلا ولا انتقاصا، ولايجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها ومن هنا جاء قرار المحكمة الدستورية. تباينت ردود الفعل حول ما طالبت به المحكمة.. والتباين طبعا مرتبط بموقف كل فريق . فالفريق المرحب يعتمد علي الحق الدستوري لهؤلاء .. فتصويت العسكريين في الانتخابات ليس بدعة، وموجود في دول كثيرة ، لكن هذه الدول قطعت شوطا كبيرا من الاستقرار والإيمان بالديمقراطية. والأهم أن جيشها وشرطتها محترفان ولا يعملان بالسياسة.ولكن مازال لدينا تناقض واضح فيما نقوله فنحن نتحدث عن نضج الشعب الديمقراطي عندما نريد تخديره.. ثم نتحدث عن ان المصريين مازالوا في (كي جي وان) ديموقراطية عندما نريد أن نضحك عليهم . ومن هنا يجيء خوف المعترضين علي قرار المحكمة علي أساس ان دخول الجيش والشرطة الي المعترك السياسي يخلق حالة من الاستقطاب داخل المؤسستين ويجعل لأفراد الهيئتين دورا في المسرحية السياسية.. ولكننا لابد أن نتساءل هل سيصوت هؤلاء المواطنون كأفراد ..أم كفصائل وكتائب وجيوش . يعني هل سيحمل كل منهم صفته العسكرية أم صفة كل منهم الشخصية؟ ويخاف المعترضون أيضا من صدور توجيهات قيادية بانتخاب مرشح معين.. وهو يعني أن رجال الجيش والشرطة لا رأي لهم ولا شخصية وهو أمر غير صحيح.. واذا كان مبدأ السمع والطاعة مبدأ مقدسا لدي العسكريين فهو أكثر تقديسا لدي جماعات من غير العسكريين وهي ترفع هذا الشعار فوق كل شيء .. لكن النقاط التي لم يناقشها أحد عديدة وخطيرة .. أولها أن إضافة كل المنتسبين الي الجيش والشرطة سيكشف عددهم الحقيقي وأماكن تواجدهم وهذا الأمر بالغ الخطورة والحل هو قيد كل فرد في دائرة سكنه وليس دائرة عمله. الأمر الثاني يتعلق بممارسة الدعاية الإنتخابية فمن الطبيعي أن يتصارع السياسيون وأحزابهم علي البرامج ، ولأن معظم الأحزاب السياسية الحالية ذات مرجعية دينية فان الأمر سيكون بالغ الصعوبة اذا طلب المرشحون دخول الوحدات العسكرية وأندية الشرطة ليقيموا ندواتهم ومؤتمراتهم الانتخابية. وبالطبع ستمنع الأجهزة الأمنية دخول المرشحين إلي الوحدات العسكرية حفاظا علي الاستقرار ومنعًا للفتنة لكنها لن تستطيع منع الجنود والضباط من ممارسة نقاشاتهم الطبيعية حول المرشحين وبرامج الأحزاب. إذا كانت القوات المسلحة قد طلبت ارجاء تنفيذ الحكم لفترة .. فان هذا ليس حلا للمشكلة لأنها ستتجدد مرة أخري.. ولن يكون الحل إلا بتعديل الدستور أو بالتطبيق الفوري للقرار.