صبرى غنيم هل سمعتم عن فلاحة المنصورة أمينة الشرقاوي التي أعطت ابنها الكسيح عظام ساقيها من أجل أن يقف علي قدميه حتي تخرج في كلية الطب وأصبح طبيبا في جراحة العظام ليعالج أمه بعد أن أصبحت كسيحة.. أعتقد من يقرأ منكم هذه السطور يتخيل أن هذه الواقعة من الخيال مع أنها حقيقية وأبطالها من المنصورة.. ولا أعرف ان كانت الحاجة أمينة بطلة هذه الواقعة لا تزال علي قيد الحياة أم أنها أصبحت في ضيافة الرفيق الاعلي، الذي أعرفه أن ابنها الطبيب يمارس عمله الان في مدينة المنصورة ومن المؤكد أنه تزوج وأصبح له أولاد يفخرون بجدتهم الحاجة أمينة الشرقاوي والتي فازت بلقب أول أم مثالية لمصر .. - هذه الواقعة أحكيها لاننا من أيام كنا نحتفل بعيد الام، وعيد الام بالنسبة لي له ذكريات في داخلي وخاصة كنت وقتها في بداية رحلتي الصحفية حيث عملت في زمن العمالقة، فقد بدأت عملي في الستينيات بمجلة " آخر ساعة " وكان الاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل هو رئيس تحريرها وفي هذه الفترة كنت قريبا من أساتذة كثيرين علي رأسهم المرحوم محمد التابعي والمرحوم مصطفي وعلي أمين ولارتباطي بأساتذتي أذكر واقعة استبعاد الاخوين العملاقين مصطفي وعلي أمين عن أخبار اليوم فقد حدثت مؤامرة بعد ابعادهما.. اذ رأي النظام الحاكم وقتها إلغاء عيد الام انتقاما من صاحبه مصطفي أمين ولم أجد أمامي طريقا للإبقاء علي اسمه الا الخروج بفكرة الام المثالية المهم جاهدت الي أن يبقي عيد الام حتي يبقي معه اسم صاحبه.. كثيرون نصحوني أن ابتعد عن هذه السكة حتي لا يضعني رجال صلاح نصر في دماغهم، وقد كان جهاز المخابرات وقتها هو الذي كان يحكم مصر ومعروف لرجل الشارع كيف لفقوا لصاحب عيد الام تهمة ليزجوا به في السجن.. وبعدها جرت محاولات لتغييره الي عيد الاسرة بحجة أن هناك أطفالا يتامي بلا أمهات.. وأذكر أنني ذهبت الي أستاذي إحسان عبد القدوس وكان وقتها رئيس مؤسسة أخبار اليوم بعد استبعاد الأخوين مصطفي وعلي أمين وطرحت عليه أن نتبني فكرة الأم المثالية لمصر ونختارها في عيد الام، فقد كان رحمه الله يتمتع بذكاء لا يتمتع به غيره وقد فهم ما أهدف اليه من وراء هذا القصد، وشجعني علي إحياء هذه الفكرة، بشرط الا أشير الي اسم مصطفي امين فيها حتي لا يفهم ان هناك حملة صحفية لمعاداة النظام المهم أن نحقق هدفنا في الابقاء علي عيد الام وهو المطلوب وقد وجدت تشجيعا من الأساتذة المرحوم أنيس منصور والمرحوم سعيد سنبل والمرحوم رشدي صالح والمرحوم يوسف السباعي وللحق شجعوني علي طرح فكرة الام المثالية.. ثم فوجئت باتصال من وزير الشئون الاجتماعية كان في ذاك الوقت المرحوم حافظ بدوي وهو يدعوني لمناقشة الفكرة.. بعد لقائي معه أعلنت الوزارة استعدادها لتنفيذ فكرة الام المثالية وفي يوم عيد الام، وقد تشكلت لجنة عليا برئاسة وزير الشئون وعضوية وزراء الصحة والحكم المحلي ورئيس محكمة استئناف القاهرة ومحافظ القاهرة واختاروني عضوا فيها علي اعتبار انني صاحب فكرة عيد الام.. ويومها لا تتصوروا سعادتي فقد حققت أول انتصار في حياتي كصحفي وأنا أقود حملة لكي يبقي اسم أستاذي مصطفي أمين علما بين كل أمهات مصر، فأصبحت كل أم تذكر مقولته وهو يقول إن عيد الام هو تاج علي رأس كل أم .. - أما كيف أصبحت أمينة الشرقاوي اول ام مثالية لمصر ولماذا.. فهذا يدعوني الي أن أعود بذاكرتي.. فقد كنت قد بدأت دعوة القراء للمشاركة في ترشيح الام المثالية لمصر وألقينا ملايين الرسائل، وقد وقعت تحت يدي علي رسالة للطبيب الشاب الدكتور مجدي أبو المعاطي والذي رشح فيها أمه أمينة الشرقاوي للفوز بهذا اللقب.. قال في رسالته إن أمه كانت تحمله وهو كسيح الي المدرسة الي أن علمت بجراح عظام مشهور في القاهرة اسمه الدكتور كمال الزرقاني وأنه بارع في علاج الكساح فحملتني اليه وبعد الكشف طلب الجراح عشرة سنتيمترات من عظام ساقي أحد الوالدين وركعت امي تحت أقدام الجراح وهي تصرخ " خذ عظمي كله المهم أن يقف ابني علي قدميه" وحاولت أسرتها ان تمنعها الي أن الام رفضت وسلمت نفسها للجراح ونجحت العملية ووقف الابن علي قدميه والتحق بكلية الطب .. - ويقول الابن الطبيب، لقد تخصصت في العظام لكي أكون قريبا من أمي الكسيحة الان، وفي نهاية رسالته قال " الا تستحق أمي أن تكون هي الام المثالية " ويومها قدمت هذه القصة علي صفحات الاخبار وقد هزت المشاعر وفي اجتماع اللجنة العليا للأم المثالية كان الإجماع عليها، وفوجئت بالرئيس أنور الساداشت رحمه الله يمنحها وسام الكمال بعد أن قرأ قصتها التي نشرتها في " الاخبار" لتصبح أمينة الشرقاوي اول أم مثالية لمصر.