كل الشهور تتشابه عادة . إلا تلك التي ترتبط بذكريات شخصية تمنحها نكهة خاصة ! لكن شهر العسل يمتلك سمات غير متكررة . أولها أنه ( نصاب )! فهو يصر علي انتحال صفة الشهر رغم أنه أقصر عمرا إذا ما قيس بمقاييس الأيام كما أنه قد يمتد لسنوات بحساب المشاعر . السمة الثانية هي عدم الثبات فهو قادر علي التجوال بحرية بين شهور السنة إذ يخضع لتاريخ الزواج الذي يختاره كل شخص . أما الصفة الأخيرة فهي أن ما قد يراه البعض عسلا ربما يعيشه آخرون بطعم أكثر مرارة ، فالمسألة نسبية رغم أنف إعلانات المقويات التي احتلت شاشات التليفزيون ! ومع ذلك يحتفظ الشهر بقدرته علي دغدغة مشاعر الحالمين به ، وعدم مفارقة ذاكرة من ابتعدوا عنه بمقدار سنوات زوجية !! ونظرا لسماته الخاصة فقد اقتبس السياسيون اسمه لتوصيف حالات المد والجذر في منظومة العلاقات بين التيارات السياسية ، وهكذا يستخدم الإعلام عادة مصطلح " انتهاء شهر العسل " للإشارة إلي انقلاب الاتفاق إلي خلاف ينذر بأزمة ، والتاريخ المصري مليء بنماذج لعلاقات سياسية بدأت بالتوافق وانتهت بخلاف لم يخل من العنف في بعض الأحيان . الأمثلة الأكثر وضوحا تأتي في أعقاب الأحداث الكبري ، وقاريء التاريخ يمكنه الوصول إلي بعضها عقب ثورتي 1919 و 1952 كما أن متابع الفضائيات سيدرك بسهولة أن هذا حدث في أعقاب ثورة يناير ، والنهاية في حالتي الزواج والسياسة واحدة تصل في بعض الأحوال إلي أن يتلطخ شهر العسل بلون الدماء !! المأذون يدفع الثمن ! في مدينة أكتوبر قضي عروسان شهر عسل طويل نسبيا لدرجة أنه امتد لعشرة أيام ! قرر الزوجان أن ينهياه بطريقة بالغة الغرابة ، وهي قتل المأذون الذي عقد قرانهما للاستيلاء علي أمواله !! لم ينشغل العروسان بما يشغل الأزواج الجدد عادة من نزوات ! وتفرغا لخطتهما التي انتهت بقتل المأذون والقبض عليهما . القصة تملك قدرا لا بأس به من الرموز ، وتصلح كمعادل موضوعي لبلد شهد ثورة وبدلا من أن يعيش - من قاموا بها - فرحتهم بنجاحها انشغلوا في حصد المغانم ، فمات من مات وتكالب الباقون علي السلطة وأرادوا احتكارها بأي ثمن ! في قصة المأذون تم القبض علي الجناة لكن الأمر اختلف في بلد الثورة لأن من سرقوها لا يزالون أحرارا ! وسقطت في بحر العسل ! في الشرقية انتهي شهر عسل آخر نهاية مأساوية ، لكن المأذون نجا هذه المرة بحياته ، لأن العروس لم تكن تفكر في المال لكن في الحب ، استعانت بحبيبها لتتخلص من الزوج الذي لم يسلم من لسعات النحل رغم أنه لم يذق من العسل إلا أقل القليل إن كانت قد أتاحت له فرصة التذوق ! قبل أن ينتهي شهر العسل قتله صديقه ( الذي تربطه بالزوجة علاقة عاطفية ) بتحريض منها ليتمكنا من الزواج ! الصديق القاتل كان قد تقدم لخطبة حبيبته فرفضته عائلتها وقامت بتزويجها من الآخر . فعلت العائلة ذلك وأصحاب القرار بها يعتقدون أنهم يؤمنون لها الاستقرار ، وكانت النتيجة أن من قالوا له " نعم " فقد حياته وضاع مستقبل الحبيبين الذين سيلحقون به غالبا بعد أخذ تذكرة ذهاب بلا عودة من عشماوي ! حواديت شهر العسل لا تنتهي ، منها ما لا يصلح للنشر لأنه يتضمن وقائع يمكن أن تعترض عليها الرقابة ، لكني اخترت القصتين اللتين نشرتهما الأخبار في أسبوع واحد ، ورغم أن واقعتي الزواج بحداثتهما كانتا تستدعيان النشر في باب الاجتماعيات لارتباطهما بمناسبة سعيدة إلا أنهما احتلتا صفحة الحوادث . من يملك بعض القدرة علي التفكير يتأكد من أن الأحداث الحلوة يمكن أن تنقلب إلي النقيض عندما تختلف المصالح .. المهم هو أن نتعلم كيف ننهي شهر العسل بدون إسالة دماء !