ماذا تريد المعارضة؟! سؤال موجه إلي من يريدون إدخال مصر في مرحلة فراغ دستوري، ويدعون إلي مظاهرات لإسقاط الدستور في الذكري الثانية لثورة 25 يناير - بعد أن جاءت النتيجة بما لا تشتهي أنفسهم - بل اعتبروا إلغاءه واجبا وطنيا تسعي إليه الإرادة الشعبية. أي إرادة تلك التي يتحدثون عنها؟! وهل هم أوصياء علي الشعب؟! لقد قال الشعب كلمته وعبر عن إرادته في الصندوق، ويبرر هؤلاء المعارضون موقفهم بأن هذا الدستور نتاج عمل جمعية تأسيسية غير متوازنة، في حين ذكر آخرون أن مضمونه لا يحمي مدنية الدولة، ولا يحقق للمجتمع العدالة والمساواة التي ينشدها، بل ذهب البعض إلي أبعد من ذلك حين ألصق بهذا الدستور صفة الدم، حيث رأي أنه تسبب في إهدار دم المصريين بعد أن قسمهم إلي فريقين. وقد أغفل هؤلاء حاجة البلاد إلي الاستقرار، وبناء دولة المؤسسات، وإعادة عجلة الحياة، والدفع نحو التنمية، أما الإبقاء علي البلاد بغير دستور لعدة سنوات مقبلة، فمن شأنه إشاعة الفوضي وعدم الاستقرار - لا سيما وان العديد من فقهاء القانون قد أكدوا أن هذا الدستور يعد من أفضل الدساتير، بل إن هناك من أساتذة القانون الغربيين من شبهه بلوحة الموناليزا التي تشع جمالا من جميع جوانبها، ومع ذلك فقد تم الاتفاق بين النخبة التي جلست مع الرئيس للخروج من المأزق علي مناقشة المواد الخلافية في أول اجتماع لمجلس الشعب. وأتساءل هنا هل بعد أن حسمت الصناديق الخلافات فهل نقبل حكمها؟ أم ندعو إلي إسقاط الشرعية ؟! إن البعض عندما لا يحصل بصندوق الانتخاب علي مايريد فإنه ينسي كل ما كان يتشدق به عن الديمقراطية وصندوق الاقتراع، فالديمقراطية هي أن يصل الي غاياته، وإلا فإنه سيتحول إلي معول هدم، هل تلكم هي الديمقراطية؟ إن قواعد اللعبة تقتضي أنه ايا كان الاختيار يجب أن يكون محل احترام الطرف الآخر. في الحقيقة ينبغي أن نعترف بأن هناك فريقا من المعارضين لا يريدون للأزمة أن تحل، ويهمهم أن يستمر الاحتقان أطول مدة ممكنة، غير عابئين بمصلحة الوطن وأمنه، فباسترجاع تطورات الأحداث منذ الإعلان الدستوري قبل الأخير لرئيس الجمهورية ستجد أن الحشد اجتمع علي هدف إسقاط ذلك الإعلان الدستوري، وكانوا منذ اليوم الأول قد هتفوا برحيل النظام وإسقاطه، فضلا عن ترحيبهم بتواجد الفلول، وحين تم إلغاء الإعلان الدستوري واستبداله بآخر يلغي تحصين قرارات الرئيس، صارت معركتهم إسقاط الاستفتاء علي الدستور،وبعد إعلان نتيجة الاستفتاء أصبحت مهمتهم الرئيسية الدعوة لإسقاط الدستور. والسؤال هنا ماذا يريد المعارضون ؟! دعاهم الرئيس الي الحوار فرفضوا، وانتقدوا استجابة البعض لتلك الدعوة، ولم يوردوا حججا موضوعية في نقدهم،عرض عليهم مقاعد بمجلس الشوري فرفضوا، وآثروا لغة الهجاء والسباب التي صارت هي الأصل، ولم يخل خطابهم من تجريح وإهانة، إنهم يصرون علي أن شيئا لم يتغير في المشهد، وأن البلاد لم تتقدم خطوة واحدة إلي الأمام، ومنهم من راهن علي سقوط النظام، ورأي في التعبئة والاحتشاد وإزكاء مشاعر الغضب وسيلة لإنجاح الرهان... إذن ماذا يريدون؟ قد يكون التخوف من تعصب بعض الاسلاميين أحد الأسباب - ضمن أسباب أخري - وراء مواقفهم لاسيما وأن تصريحات نفر ممن يحسبون علي التيار الإسلامي حملت لهجة استعداء واستعلاء، ولكن القبول بالحوار من أجل التوافق من شأنه تغيير تلك اللهجة والتقريب بين وجهات النظر لحد كبير إذا صدقت النوايا، وإلا فما ذنب المواطن البسيط الذي لم يجن من الثورة حتي الآن إلا مزيدا من الأزمات والمعاناة، ولم يشهد إلا حروبا بالفضائيات، وصراعا بالميادين. وتأكيدا علي فكرة التوافق الوطني جدد السيد الرئيس دعوته- في خطابه أمام مجلس الشوري- لكل الأطياف إلي التحاور، مشيرا إلي أن الدستور يرسم خارطة طريق لتحقيق أهداف الثورة، فمن أجل تلك الأهداف أما آن الأوان لنبذ الفرقة والانقسام، والتعالي علي الخلافات والمصالح الشخصية وإعلاء المصلحة العليا وأن يظهر كل فريق استعداده للتضحية من أجل المرور الآمن بالبلاد إلي مرحلة الاستقرار واكتمال مؤسسات الدولة، وأن يقوم كل طرف بنقد لذاته، فكلنا مسئولون عن إنقاذ مصر من الانقسام وتكون معركتنا الحقيقية هي إعادة بناء مصرنا الجديدة لا سيما وأننا علي أعتاب مرحلة جديدة تدعو للتفاؤل... العديد من القوي الوطنية أعلنت عن بدء استعدادها لخوض انتخابات مجلس النواب، المظاهرات والاعتصامات أخذت تتراجع، مجلس الشوري يتسلم سلطة التشريع... قادم جديد بدأ يلوح في الأفق يبشر بالخير، ويعلن عن مولد يوم آخر.