الاهداف الايرانية في المنطقة لم تعد خافية علي احد،...، والرغبة في الهيمنة ومد السيطرة والنفوذ اصبحت معلنة وعلي رؤوس الاشهاد، سواء في العراق أو في منطقة الخليج، أو في لبنان، أو في منطقة الشام وصولا الي ارض فلسطينالمحتلة حيث غزة. وزيارة الرئيس الإيراني احمدي نجاد للبنان كانت كاشفة رغم محاولات التقية والتمويه التي صاحبتها، وهو ما يتطلب منا ومن غيرنا النظر بكل الاهتمام والجدية في ابعاد الدور الإيراني ومراميه وأهدافه في منطقتنا العربية بصفة عامة، وما يتصل منه بمصر علي وجه الخصوص. وفي البداية لابد أن نقول بوضوح انه بات مؤكدا، ان اكثر الاخطاء الامريكية فداحة علي الاطلاق في غزوها واحتلالها للعراق، بعد كونه دمار لدولة عربية. وإعتداء صارخ علي الشرعية الدولية،...، هي ان هذا الغزو والاحتلال قد فتح الباب واسعا امام النفوذ الايراني في المنطقة، واطلاق يد ايران في التدخل السافر علي الساحة العراقية، وتسوية وترتيب الامور بما يخدم ويحقق مصالحها فقط لا غير، بحيث اصبح لها الان ونتيجة الغزو والاحتلال اليد العليا في الداخل العراقي، سواء بإرادة أمريكا، أو رغما عنها. ونظرة متأملة ومتفحصة علي ارض الواقع العراقي الان، وما يجري بخصوص تشكيل الحكومة، تكفي للدلالة علي ان العراق اصبح بالفعل لقمة سائغة في يد ايران، وانها اصبح لها من النفوذ والتأثير داخل العراق ما لم تكن تحلم به علي الاطلاق، لا في الماضي، ولا في المستقبل، في ظل ما كان قائما قبل الغزو والاحتلال. ونحن هنا لا نقصد الاشادة بنظام صدام حسين، الذي كانت له سلبيات وعيوب جسيمة، لايمكن ان تغتفر، ولكننا نقصد بوضوح الاشارة الي ان العراق كان دولة متماسكة وقوية، ذات توجه قومي عربي، وجيش قوي يستطيع حماية حدودها، وكان بها مؤسسات الدولة القادرة علي الوقوف فكريا وثقافيا، وماديا، ومعنويا، ومجتمعيا، في وجه اي محاولات ايرانية للسيطرة أو الهيمنة أو النفوذ. ونقول بوضوح لا يقبل اللبس، ان الخطيئة الامريكية الكبري بعد عملية الغزو والاحتلال ذاتها، انها لم تدرك الفرق بين صدام حسين، ودولة العراق، بحيث انها خلطت بين رغبتها الملحة في خلع صدام حسين، والقضاء علي كل شخوص نظامه، وبين القضاء علي كيان وأسس الدولة العراقية، وتدمير جميع مؤسساتها العسكرية والمدنية، بالاضافة الي تدمير بنيتها الاساسية في جميع مستوياتها.
لم تدرك الولاياتالمتحدة هذا الفارق الواضح،...، أو تغافلت عنه بالقصد، ومع سبق الاصرار والترصد، من ادارة بوش، وطبقا لمخطط مسبق وتخطيط واضح، لا يتسق علي الاطلاق مع كل ما اعلن في هذا الشأن من تبريرات غير مقنعة، بل ولا تمت للحقيقة بصلة. وكانت النتيجة هي تفكيك اواصر الدولة العراقية، والقضاء علي مؤسساتها المدنية والعسكرية، وخلخلة البنية الاجتماعية، وفتح الابواب امام النفوذ الايراني، واستقدمت من ايران الي العراق قوي ورموز طائفية ودينية لها ميليشياتها المسلحة والمتطرفة، بما يعنيه ذلك من تأثير وفعل علي الساحة العراقية، وبكل ما تكنه من ولاء كامل لإيران. وفي ظل ذلك، كان ما كان، وأصبح العراق مرتعا خصبا لإيران، ومنطقة مد ونفوذ ايراني، شاءت امريكا، ام ابت،...، ولم تدرك الدولة الغازية والمحتلة للعراق التي هي أمريكا،...، أو انها ادركت وتغافلت، انها وهي تفتح الطريق امام ايران في العراق بالتواجد والتأثير والميليشيات المسلحة، فإنها تفتح الطريق في ذات الوقت امام ايران في منطقة الخليج، وتحقق لها املا راودها مرارا في ان يكون لها تأثير متزايد ومتصاعد وخطير هناك ايضا.
ولم تدرك الولاياتالمتحدة أو انها ادركت وتغافلت ان منطقة الخليج كلها ذات حساسية خاصة، جغرافية، ومجتمعية، حيث انها الاقرب والاكثر التصاقا بالعراق وايران، وان تركيبتها السكانية تحمل في طياتها طبيعة خاصة، نظرا لوجود نسبة كبيرة من الشيعة،...، وهو ما يجعلها اكثر حساسية بالنسبة لاختلال القوي التي كانت متوازنة بين العراق وايران، قبل انهيار الدولة والقوة العراقية علي يد الغزو والاحتلال، وهو ما جعل منطقة الخليج اكثر عرضه للتأثير الايراني، وللضغوط الايرانية، بعد زوال المانع العراقي الذي كان قويا، وبعد اختلال توازن القوي بالمنطقة وتفشي النفوذ والوجود والتأثير الايراني بالعراق. وأحسب اننا جميعا نلاحظ ونري الان، ان ما حدث وما جري بعد الغزو والاحتلال من امتداد للنفوذ والسيطرة الايرانية في العراق، قد فتح شهيتها للامتداد والتأثير علي منطقة الخليج، وهذا خطير،...، ولكن الاخطر من ذلك، ان ايران لم تتوقف عند هذا، بل مدت بصرها، وتطلعت الي بقية العالم العربي، وبدأت في وضع انفها، ومد يدها للتأثير والعبث في اماكن حساسة منه، واستغلت في ذلك مشاكل قائمة، وخلافات مشتعلة في بعض اجزائه، وانقسامات وفرقة في اجزاء اخري. وفي ظل هذه المشاكل، وتلك الخلافات،...، وفي ظل الغفلة وقصور النظر ايضا، رأينا تواجدا ايرانيا محسوسا وملحوظا، بل وواضحا، علي الساحة اللبنانية، يتزايد ويتصاعد بالتنسيق الكامل مع حزب الله وبمباركة وتعاون من سوريا. وفي وجود هذه المشاكل وتلك الخلافات،...، ووجود الغفلة وقصور النظر ايضا، رأينا تواجدا ايرانيا ملموسا وملحوظا بل وواضحا، علي الساحة الفلسطينية يتزايد ويتصاعد، بالتنسيق الكامل مع حماس، وبمباركة وتعاون مع سوريا، عبر الاشاوس من قادة حماس المقيمين في سوريا مثل مشعل وشركاه.
ومنعا لاختلاط الامور علي احد، نحن هنا لا نتحدث عن تأثير ديني، رغم ان النشاط والحركة الايرانية، علي الساحة العراقية، وفي الخليج بصفة عامة، يعتمدان في مرتكزاتهما الاساسية علي خلفية دينية، ونفوذ طائفي شيعي،...، وكذلك ايضا، فإن النشاط والحركة علي الساحة اللبنانية، يعتمدان علي خلفية دينية، ونفوذ طائفي شيعي، وذلك يرجع في اساسه الي كون ايران دولة دينية. ومن هنا اصبحنا امام تطلع ايراني لا يتوقف عند مد النفوذ والسيطرة والهيمنة علي العراق، ثم في منطقة الخليج من بعدها، فقط لاغير،...، بل اصبحت هناك رغبة ايرانية جامحة لمد السيطرة، والنفوذ، والهيمنة، علي منطقة الشام وفلسطين،...، وان امكن علي العالم العربي كله، ودون استثناء. وهذا شيء خطير، ويستوجب الحيطة والحذر، ويتطلب التنبه والاهتمام، لانه في حقيقته ومضمونه يحمل في طياته، ويشير في مجمله الي احلام ايرانية قديمة، ترجع في تاريخها الي الامبراطورية الفارسية، التي كانت تسعي للسيطرة علي جميع المنطقة في ذلك الزمان الغابر،...، وهذا شيء يدعو للعجب والدهشة الان، ولكنه للاسف واقع لابد من التعامل معه بجدية في ظل ما نراه امامنا من احداث ووقائع. ومبعث الخطورة في ذلك واضح، لان المشروع الايراني للسيطرة والهيمنة علي العراق، ثم الخليج، ثم لبنان وفلسطين، بالتحالف والتعاون مع سوريا،...، ثم ان امكن بعد ذلك الهيمنة والسيطرة علي كل العالم العربي،...، يسعي في اهدافه للقضاء علي الهوية العربية، وطمس هذه الهوية تماما، حتي يمكن ان يسيطر ويتواجد، ويؤثر، ويهيمن،...، وهذا شيء بالغ الخطورة، ولابد من التنبه اليه، والتعامل معه بجدية.
ونظرة فاحصة علي ما يحدث في العراق، ومحاولات ايران المستمرة لطمس الهوية العربية هناك، تشير الي مسار التفكير الايراني، وكيفية نظرته ورؤيته للامور،...، واذا ما مددنا البصر من العراق الي منطقة الخليج العربي، الذي لاتزال ايران تسميه، بل وتصر علي تسميته »بالخليج الفارسي« نجد ان احلام وتطلعات ومخططات ايران تسير في نفس الاتجاه. ولكن الاكثر لفتا للانتباه، والاهتمام هو ان ننظر الي ما تفعله ايران في لبنان، وما تم خلال زيارة نجاد للبنان، وما جري وما كان في الجنوب وخلال لقائه مع الشيخ حسن نصر الله وكوادر حزب الله،...، وايضا لابد من ان نتوقف كثيرا، بالانتباه الي المحاولات المستمرة من قادة ايران لمد نطاق الهيمنة والسيطرة والنفوذ الي غزة، خاصة بعد ان وضح ان تلك المحاولات تتعارض مع المصالح القومية والوطنية للعرب بصفة عامة، ومصر بصفة خاصة. ففي لبنان نجد ان كل التحركات الايرانية تسعي في توجهها ضد وحدة الصف اللبناني، وتلعب دورا مؤثرا في توسيع هوة الشقاق الداخلي، ودعم احد الفرقاء اللبنانيين، ومده بالسلاح والتدريب لخلق قوة مسلحة، داخل الدولة اللبنانية خارجة عن سيطرة الدولة والجيش، ولا سلطان عليها من الحكومة الشرعية، وهو ما خلق حالة غير مسبوقة في أي دولة، من الدول. ومن هنا اصبح التدخل الايراني في شئون لبنان واضحا، والعمل الايراني علي توسيع هوة الخلافات، والنزاعات مؤكدا، وهو ما يتعارض تماما مع مصلحة لبنان اولا، والمصالح العربية ثانيا، ويتناقض في ذات الوقت مع المساعي المصرية المستمرة لتحقيق الاستقرار في لبنان، ولم الشمل اللبناني، ودعم السلطة الشرعية هناك.
أما في فلسطينالمحتلة، فقد سعت ايران بكل الوسائل والطرق، وبمساعدة الحليف السوري، وبالاتفاق مع الزعيم الحمساوي الأشوس مشعل، وبالتحالف مع بقية اشاوس حماس في غزة والاتفاق معهم علي الانقلاب ضد السلطة الفلسطينية الشرعية، واعلان غزة امارة منفصلة خاضعة لحماس، حتي ولو ادي ذلك الي اشعال نار الفتنة بين الفلسطينيين، وهو ما حدث فعلا،...، وحتي لو ادي ذلك الي الفرقة وانقسام الصف الفلسطيني، وهو ما حدث بالفعل. وهذا بالقطع ضد مصلحة الشعب الفلسطيني، وضد القضية الفلسطينية، وضد المصالح العربية،...، كما انه ينشيء وضعا قلقا ومضطربا علي حدود مصر الشرقية، في غير صالح مصر، التي تسعي جاهدة لجمع الصف الفلسطيني وتقوية المفاوض الفلسطيني ودعمه ومساندته للحصول علي حقوقه المشروعة في الانسحاب الاسرائيلي من اراضيه المحتلة عام 7691، واقامة دولته المستقلة علي الضفة وغزة وعاصمتها القدس الشريف، بينما تعمل ايران علي اثارة القلاقل وزيادة وتوسيع شقة الخلاف الفلسطيني، ووقف اي محاولة للمصالحة ورأب الصدع.
والان احسب ان الخطر الايراني واضح في الخليج ومؤكد في العراق، ماثل امام اعيننا في لبنان، وايضا يسعي بالعبث علي حدود مصر الشرقية، وداخل الاراضي الفلسطينيةالمحتلة،...، وهو في ذات الوقت يسعي لمد نفوذه وتأثيره علي بقية الخريطة العربية،...، وخاصة في اليمن وجوارها.