سعىد إسماعىل أنا عاصرت رغيف العيش عندما كان يباع بنصف قرش.. كنت في حوالي العاشرة من عمري، عندما كانت والدتي رحمة الله عليها، تضع في يدي قطعة نقدية فئة الخمسة قروش »حتة بخمسة« وتطلب مني الذهاب الي المخبز، الذي لا يبعد عن بيتنا بأكثر من عشرين مترا، لاشتري عشرة ارغفة طازجة لاتزال بنار الفرن!! ومرت الايام والسنون، وقامت ثورة 32 يوليو وتم طرد الملك فاروق، ملك مصر والسودان، وتحولت مصر الي جمهورية، ولم يكتف جمال عبدالناصر، قائد الثورة، باخراج الانجليز لينهي الاحتلال البريطاني الذي ظل جاثما علي ارض مصر المحروسة ثلاثة وسبعين عاما، بل أخذ علي عاتقه مساعدة ودعم الدول التي كانت تسعي للتحرر من الاحتلال الاجنبي والحكم الاقطاعي الرجعي.. و»بعزق« فلوس مصر علي الثورات التي اندلعت في الجزائر والكونغو والعراق واليمن وبعض دول امريكا اللاتينية ايضا.. لتغرق البلد بعد ذلك في الديون، وتسوء احوال العباد، وتنهار الزراعة والصناعة، وتنشط مافيات استيراد كل مستلزمات الغذاء، وفي مقدمتها القمح!! فوجيء المصريون بانخفاض وزن الرغيف.. ولما تقبلوا ذلك صاغرين، تشجعت الحكومة ورفعت سعر الرغيف من نصف قرش الي قرش كامل.. ثم خرج وزير التموين- لا اتذكر اسمه الان- ببشري انتاج الرغيف »الطباقي« الذي سيباع بقرشين، مع بقاء الرغيف »ابو قرش«.. وبعده ذاع خبر الرغيف »المحسن« مقابل خمسة قروش للرغيف الواحد.. وشيئا فشيئا اختفي الرغيف »ابو قرش« والرغيف »ابو قرشين« وبقي الرغيف »ابو خمسة قروش« دون منافس.. وصغر حجمه، ونقص وزنه.. وبدأت المخابز في انتاج رغيف خارج التسعيرة ليباع علي الارصفة بخمسة وعشرين قرشا، ورغيف آخر اكبر قليلا بخمسين قرشا. امس.. خرج علينا المهندس ابو زيد محمد وزير التموين- كرم الله وجهه- ليبشرنا بانتاج الرغيف »المدعم« الذي سيباع بعشرة قروش!!.. ولم ينس التأكيد علي ان الرغيف »ابو خمسة قروش« خط احمر لن يمسه احد.. وهو نفس التأكيد الذي سمعناه من وزراء التموين الذين سبقوه، عندما رفعوا ثمن الرغيف من نصف قرش الي قرش، ومن قرش الي قرشين، ومن قرشين الي خمسة قروش.. ومن المؤكد اننا سوف نسمعه من وزراء التموين الذين سيجيئون بعده، عندما يزفون الينا بشري رفع سعر الرغيف الي عشرين قرشا، ثم الي خمسين قرشا، ثم الي جنيه!.. والحمد لله ان امي ماتت من زمان، ولم تعش لتعاني من »البهدلة« التي نتعرض نحن لها الآن!!