مصطفى عبدالله شغلتني الجوائز باختلاف مجالاتها وموضوعاتها، علي الرغم من أنني لم اتقدم لنيلها طوال رحلتي مع الكتابة إلا مرة واحدة. فقد اسهمت في وضع اللبنات الأولي لبعضها مثل جائزة البابطين للإبداع الشعري التي انطلقت من بيتي قبل أن يصبح لها مقرً في القاهرة ومقار متعددة في عواصم عربية كثيرة، ولم أتركها إلا عندما أدركت أنها عرفت طريقها إلي معظم شعراء العربية المعاصرين. وكذا جائزة سعاد الصباح، التي اهتممت بمتابعة دوراتها المختلفة، بل وظللت علي صلة حميمة بعدد من الفائزين بها، أذكر منهم: الشاعرة فاتن شوقي، التي التقيت مؤخراً في الأقصر بزوجها الناقد حسين محمد حمزة، فذكرني بحوار دار بيني وبينه يوم تتويجها بالجائزة. وفي زيارتي الأخيرة للشارقة أهداني هشام المظلوم، مدير إدارة الفنون بدائرة الثقافة والإعلام، أربعة كتب من حصاد جائزة جديدة عليّ، علي الرغم من أنها تدخل هذه الأيام دورتها الخامسة، وجميعها تندرج تحت موضوع كبير واحد هو "المفاهيمية في التشكيل العربي"، وقد لفتني أن أحد هذه الكتب الأربعة من تأليف مصرية هي الدكتورة هبة عزت الهواري وعنوانه "المفاهيمية في التشكيل المصري.. بين تأثيرات الحراك الاجتماعي وإرهاصات الثورة"، وفيه تؤكد أن التغيرات الاجتماعية تتشكل في صور وتجليات عديدة تتمثل في الإنتاج الثقافي والحضاري للشعوب، حتي ولو لم تدرك الأجيال- التي تقع تحت تأثير هذه التغيرات- أنها تنتج وتفرز ما يتوافق معها ويعبر عنها، كما استرعي انتباهي أن كتاباً آخر من هذه الكتب الأربعة يلقي الضوء علي خصوصية التشكيل السعودي وضعه سامي جريدي، وفاز بالمركز الثالث في الدورة الرابعة لهذه الجائزة، وفيه يعترف بالثورة التي تجتاح المشهد التشكيلي السعودي في سنواته السبع الأخيرة، مبيناً أن هناك محاولات عديدة للبحث عن كل جديد سواء أكان علي مستوي الأفكار أو تنوع الأساليب والخامات التي يبث الفنان من خلالها روحه في شرايين النصوص البصرية لإظهار عالم مغاير يتصل بحقيقته المغيبة، أما كتاب "المفاهيمية في التشكيل العربي.. مخاوف وآمال" للمغربي محمد الزبيري، الفائز بالمركز الثاني، فهو أقرب إلي قراءة أولية للخطوط العريضة للفن المفاهيمي في المنطقة العربية، وقد فاز مواطنه إبراهيم الحجري بالجائزة الأولي عن كتابه "المفاهيمية في الفن التشكيلي العربي.. تجارب ورؤي"، وفيه يوضح أن الفن المفاهيمي كان الأسرع انتقالاً إلي المنطقة العربية، فقد استغرق حوالي عشرين عاماً فقط كي يظهر في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي علي يد الفنانين الذين تلقوا دراستهم الأكاديمية في الخارج، فتأثروا بهذا الفن وأسهموا في الترويج له. وقد ذكر لي صديقي محمد مهدي حميدة، منسق عام الجائزة، أن باب التقدم لنيل جوائز الدورة الخامسة مفتوح حتي نهاية سبتمبر المقبل، وموضوع التسابق هذا العام "الاقتناء الفني العربي"، علي ألا يكون المتقدم قد فاز بجائزة في إحدي الدورتين السابقتين، وألا يقل بحثه عن 50 صفحة، وأن يكون معداً للنشر، ولم يسبق طبعه في كتاب، كما لا يمكن للمتسابق الاشتراك بأكثر من بحث. ويذكر هشام المظلوم، أمين عام الجائزة، أن الفائز بالمركز الأول يحصل علي خمسة آلاف دولار، بينما يستحق الثاني أربعة آلاف، وللثالث ثلاثة آلاف، وتهدف هذه الجائزة إلي نشر البحوث العربية الجادة في مجال الفنون البصرية، ورفد الساحة النقدية بالباحثين والنقاد العرب المتميزين، وتشكيل قاعدة نقدية عربية راسخة، وطرح القضايا النقدية المهمة والتباحث حولها، والمواكبة النظرية للمراس التطبيقي في مجال الفنون البصرية، وتشجيع المختصين في الشأن البحثي التشكيلي من كافة الأجيال، والارتقاء بالثقافة البصرية العربية. ومن المؤكد أنها الجائزة العربية الوحيدة في مجال التشكيل وما يرتبط به من قضايا ومفاهيم، وعلي الرغم من أنها أهدت المكتبة العربية 16 مؤلفاً نوعياً حتي الآن إلا أن هذا المجال لا يزال في حاجة إلي مزيد من الدراسات والبحوث، التي تعالج العديد من قضايا الفنون التشكيلية في عالمنا العربي، سواء أكانت علي مستوي الفكر، أو الفلسفة، أو العلم التطبيقي وعلم الجمال. وبالنسبة لموضوع الدورة الخامسة يشير المظلوم أنه في ظل وجود سوق فنية عربية ناهضة، ومتاحف تخصصية، ومؤسسات وصالات فنية كبري تقتني الفنون العربية والغربية علي حد سواء، فضلا عن وجود القادرين علي اقتناء الأعمال التشكيلية البارزين علي مستوي الوطن العربي، تكون المكتبة العربية في حاجة إلي مؤلفات متخصصة في هذا المجال.