لا اعتقد ان مناشدة الولاياتالمتحدةالأمريكية لبنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل وحكومته لإعلان الاستمرار في تجميد المستوطنات، يكفي لإقناع حكام إسرائيل، باتخاذ قرار بوقف عمليات البناء المتسارعة التي انفلتت من عقالها فور انتهاء فترة التجميد التي استمرت عشرة أشهر. ولا أظن ان اعلان راعي السلام الأمريكي علي استحياء وبأدب جم، عن أسفه لغياب القرار الإسرائيلي بمد أجل تجميد المستوطنات، يمكن ان يدفع الإسرائيليين وحكومتهم المتطرفة إلي الاستجابة للنداءات الدولية والأمريكية التي تطالبهم بوقف الاستيطان ومد التجميد حفاظا علي استمرار المفاوضات المباشرة، وتهيئة الأجواء اللازمة لنجاحها والوصول إلي تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية تفتح الباب لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط. وأزيد علي ذلك بالقول، بأن اسرائيل لن تقيم وزنا أو اعتبارا لذلك الأسف وتلك المناشدات، مادامت انها تدور في اطار العتاب الرقيق والحميم وتخلو من أي صيغة حاسمة وجادة تستوجب الانصياع لها، أو حتي مجرد التوقف عندها والالتفات اليها، واخذها مأخذ الجد والاهتمام والتفكير في وضعها علي طريق التنفيذ. واللافت للنظر في هذه المسألة ان الولاياتالمتحدةالامريكية تملك أسلوبا حادا، وتعبيرات ساخنة، بل وتهديدات ملتهبة تتوجه بها في كل حين إلي من تريد ردعه او تهديده، واقربها اللهجة بالغة الحدة والفجاجة التي وجهتها إلي السودان بخصوص الانتخابات القادمة والتي بلغت في حدتها وفجاجتها استباق الاحداث والمصادرة علي المستقبل بالقول أن هذه الانتخابات سوف تسفر عن انفصال مؤكد للجنوب عن الشمال. ونحن نعرف ان المقارنة غير واردة في الذهن الأمريكي بين أسلوب التعامل مع أي دولة من الدول التي تريد الولاياتالمتحدة تطويعها بالترغيب او الترهيب بالتلويح بالعصا تارة والجزرة تارة أخري، وأسلوب التعامل مع إسرائيل الذي لا تملك الولاياتالمتحدة فيه غير المهادنة واللين، وإذا تطرفت وغضبت فأقصي ما يمكن ان تصل اليه هو العتاب في خجل وبصوت خافت.
ونعرف ان هناك حججا وزرائع كثيرة يمكن ان تسوقها إسرائيل لرفضها تمديد قرار تجميد بناء المستوطنات، وتلقي قبولا لدي الولاياتالمتحدة، مثل ان الحكومة الاسرائيلية برئاسة نتنياهو علي كف عفريت، وانها تحتاج إلي دعم الاجنحة اليمينية المتطرفة بها كي تحافظ علي بقائها، وأن هذه الاجنحة يمكن ان تنشق عن الحكومة وتسقطها لو قبل نتنياهو بوقف المستوطنات أو اعادة تجميد البناء فيها. ونعرف كذلك ان إسرائيل تدعي ان طلب وقف المستوطنات ومد التجميد الذي كان ساريا يعتبر شرطا مسبقا، وانها سبق وأكدت انها لا تقبل بشروط مسبقة في المفاوضات، ولكن الفلسطينيين لا يريدون فهم ذلك، أو القبول به،...، في حين ان إسرائيل مستعدة للإستمرار في التفاوض، وبحث قضية المستوطنات خلال المباحثات. ولكننا نعرف في ذات الوقت الحقيقة المؤكدة والواضحة علي ارض الواقع التي تقول ان المستوطنات تنتشر في الضفة الغربية بصفة عامة مثل السرطان وان الارض الفلسطينية المحتلة تتآكل كل يوم نتيجة هذا الانتشار، بحيث لن يتبقي منها شيء للتفاوض حوله، أو اقامة الدولة الفلسطينية عليه، إذا تركت المستوطنات وشأنها، وظلت علي تمددها وانتشارها كل يوم، وبالتالي لن يكون هناك سلام، ولن تكون هناك أرض يمكن أن تصلح لإقامة الدولة عليها.
نقول ذلك بوضوح، ونشير في نفس الوقت إلي حقيقة يدركها العالم كله ويعترف بها في اطار احترامه للقانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، وكلها تجمع علي عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وهذه الرؤية تمثل في محتواها ومضمونها قرارات الشرعية الدولية التي تعبر عن توافق المجتمع الدولي ورؤيته تجاه قضية المستوطنات. ونقوله ونحن نشير أيضا إلي ما أخذت الولاياتالمتحدة في ترديده بصفة دائمة في الآونة الاخيرة، من التزامها المؤكد بضرورة التوصل إلي تسوية شاملة للقضية الفلسطينية، تقوم علي مبدأ الدولتين، بما يعني قيام الدولة الفلسطينية المستقلة علي الاراضي المحتلة عام 7691، والتي تعيش في أمن وسلام مع دولة اسرائيل،...، بل وزادت الولاياتالمتحدة علي ذلك بالقول، بأن اتمام التسوية السلمية الشاملة والعادلة بالنسبة للقضية الفلسطينية هو في صالح الأمن القومي الأمريكي. وفي هذا نحن لا نبالغ، بل نذكر ما أكدته الولاياتالمتحدة بالفعل أكثر من مرة، وجاء علي لسان كبار المسئولين فيها ابتداء من الرئيس الأمريكي أوباما، وانتهاء بوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ومن بعدها مبعوث السلام بالشرق الأوسط السيناتور ميتشيل، الذي جاء للمنطقة بحثا عن وسيلة لاقناع إسرائيل بوقف المستوطنات.
ونحن نصدق الولاياتالمتحدة، وليس لدينا دافع لعدم تصديقها، بل ونرحب بما تقوله بأن التوصل لسلام وتسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية جزء من المصالح القومية الأمريكية،...، ولكننا نطالبها في ذات الوقت بأن تسعي بجدية لتحقيق ذلك، في ضوء ما يربطها بإسرائيل من روابط عميقة وقوية، تتيح لها بالفعل اقناعها ودفعها لوقف الاستيطان، واعلان تمديد التجميد، حفاظا علي استمرار المفاوضات، علي أمل نجاحها والتوصل إلي التسوية والسلام، وفي هذه الحالة تكون الولاياتالمتحدة قد ساعدت الفلسطينيين، واستجابت للشرعية الدولية، وحسنت صورتها في المنطقة والعالم، وأيضا خدمت مصالحها القومية. ونحن نأمل بالفعل ان تثبت الولاياتالمتحدةالأمريكية استطاعتها وقدرتها علي تحقيق ما تقوله، بالنسبة للقضية الفلسطينية، وما تؤكد انه جزء من مصالحها القومية أو جزء من الامن القومي الأمريكي، وان تتمكن من دفع إسرائيل علي طريق السلام الحقيقي، الذي يبدأ عمليا بوقف بناء المستوطنات، فليس من العقل او المنطق ان تستمر اسرائيل في بناء المستوطنات، ثم تدعي رغبتها في السلام، وتطالب الجانب الفلسطيني بالاستمرار في المفاوضات، في نفس الوقت الذي تقوم فيه بالتهام الارض الفلسطينية قطعة وراء الاخري.
وفي هذا الخصوص، واذا ما كان المبعوث الامريكي للسلام بالشرق الاوسط، السيناتور ميتشيل، قد حضر للمنطقة بحثا عن حل لهذه المشكلة المتفجرة، حاملا معه، كما يقال، مقترحات عملية للحل، فإن السؤال الذي يطرح نفسه علي الساحة، ويدور في اذهان وعقول جميع المهتمين بقضية السلام، والمتابعين لها، هو لماذا تأخرت المقترحات الامريكية حتي تفجرت الأزمة؟! ومبررات طرح السؤال منطقية، حيث ان موعد انتهاء الفترة الزمنية لتجميد المستوطنات كان معلنا ومعروفا لكافة دول العالم، والولاياتالمتحدة بالذات، وكان من الضروري والواجب ان تشرع الولاياتالمتحدة، بوصفها الراعي الرئيسي للسلام، وصاحبة الدعوة للمفاوضات المباشرة، التي استجاب لها الفلسطينيون، ودعمها العرب بصفة عامة، ومصر والأردن بصفة خاصة، ان تشرع فور ذلك، وحتي قبل وأثناء اعداد الترتيبات للقمة الخماسية، التي اعلنت فيها اعادة اطلاق المفاوضات المباشرة، في بذل جهود مكثفة وفاعلة للتوصل إلي حل لهذه المشكلة، خاصة انها تدرك جيدا مدي اهمية ذلك، بعد ان اعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس انه سيضطر إلي التوقف عن التفاوض، إذا ما رفضت اسرائيل تمديد وقف الاستيطان، وقامت باستئناف بناء المستوطنات. وفي ذلك، كان من الطبيعي ان تسعي الولاياتالمتحدة المتحدة لإزالة هذه العقبة، والتوصل إلي حل لها طالما ان الخطر منها واضحا كل الوضوح،...، ولكنها لم تفعل ذلك،...، وإن كانت قد فعلت فيبدو ان الفعل لم يكن بالجدية الواجبة بحيث لم يؤت ثماره.
وقد يقول قائل ان الولاياتالمتحدة حاولت قدر استطاعتها، ولكنها لم تستطع التوصل إلي حل للمشكلة، نظرا لإصرار إسرائيل علي الرفض، وتعنتها القوي،...، وان الولاياتالمتحدة لا تستطيع ان تفرض علي إسرائيل قولا أو فعلا علي غير ما ترغب فيه أو تقبل به،...، وهذا يتردد بالفعل. وإقرارا للواقع نقول، ان ذلك هو السائد بالفعل، وهو المعمول به في الظروف العادية، نظرا لتشابك وتعقد العلاقة الوثيقة التي تربط بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وحرصها الدائم علي استرضائها وعدم الضغط عليها بأي صورة من الصور. ولكننا لابد ان نضيف إلي ذلك، حتي تكتمل الصورة، ان ذلك لا يعني علي الاطلاق عدم قدرة الولاياتالمتحدة، أو عدم استطاعتها اقناع إسرائيل أو ارغام حكومتها علي فعل شيء أو التوقف عن فعل شيء آخر، إذا ما ارادت ذلك، وتوافرت لها الارادة السياسية اللازمة، ورأت ان هناك ضرورة لهذا تخدم المصالح الأمريكية،...، وهناك مواقف فعلت فيها ذلك، وسوابق معلومة ومعروفة، ومنها موقف بوش الأب تجاه. رئيس الوزراء الإسرائيلي شامير، وهي قصة معروفة، وموقف شهير،...، ولكنها تكفي للدلالة علي ما يمكن ان تفعله الولاياتالمتحدة إذا ما أرادت الضغط الفعلي علي اسرائيل.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الشأن هو، هل تقوم الولاياتالمتحدة بالضغط الجدي علي اسرائيل إنقاذا لعملية السلام؟! وللاجابة عنه لابد ان نقول بوضوح، انها تستطيع شريطة ان تتوافر الارادة السياسية لدي الرئيس الأمريكي أوباما وادارته علي الفعل،...، وذلك لا يمكن الفصل فيه بسهولة ، حيث ان هذا يخضع بالضرورة لحسابات وعوامل كثيرة ومتعددة، يدخل فيها علي سبيل المثال وليس الحصر مدي انخفاض أو ارتفاع شعبية أوباما الآن، ومدي تأثر هذه الشعبية بقرار مثل ذلك، كما يدخل فيها بالقطع مدي تأثير هذا القرار علي الانتخابات القادمة للكونجرس، والتي أصبحت علي الأبواب،...، ويؤثر في هذا بالقطع موقف اللوبي اليهودي وجماعات الضغط الأمريكية ومدي تأييدها أو رفضها له. أي أن هناك عوامل كثيرة ومتعددة، كما نعرف جميعا تؤثر علي أي قرار يمكن أن تتخذه الادارة الأمريكية في أمر يخص إسرائيل، وهو ما يعلمه ويدركه جيدا حكام إسرائيل وعلي رأسهم نتنياهو، ومن هنا يصبح من الصعب علي أحد التنبؤ بالموقف الأمريكي تجاه المأزق الذي وصلت إليه عملية المفاوضات المباشرة الآن، والتي تمت بناء علي مبادرة ودعوة أمريكية، وأصبحت الآن مهددة بالتوقف التام في حالة ما إذا أصرت إسرائيل علي عدم التوقف عن بناء المستوطنات ورفض نتنياهو وحكومته اتخاذ قرار بتمديد تجميد المستوطنات.
والآن،...، لعلنا نتابع ما يتردد هنا وهناك، عن حلول وسط حملها مبعوث السلام الأمريكي ميتشيل في زيارته الأخيرة للمنطقة، ولكنها لا تزال في حكم الاخبار غير المؤكدة، والتي لا يمكن الامساك بها أو تحديد حقيقتها حتي هذه اللحظة،...، ولهذا فنحن مازلنا في مرحلة الترقب والمتابعة، لعل الولاياتالمتحدة تستطيع دفع إسرائيل للسير علي طريق السلام.