لأول مرة في مصر.. تجري انتخابات رئاسية دون أن يعرف أحد هوية الرئيس المقبل.. بل ودون أن تفلح إستطلاعات الرأي العام بالتنبؤ بمن سيكون صاحب الموقع الأول أو الثاني والثالث. ودون أن يضمن أي من المرشحين.. الفوز من الجولة الأولي.. انها حقا إنتخابات ديمقراطية بكل ما تعنيه الكلمة.. إنه التنافس المحموم علي الأصوات.. إنها الولادة الصعبة للجمهورية الثانية.. إنها الانتخابات الأولي من نوعها.. حيث سيحكم مصر لأول مرة في تاريخها القديم والحديث.. رئيس من أبنائها.. وصل إلي سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع.. ليس المهم من ستأتي به الانتخابات.. المهم أنه سيأتي بوسيلة ديمقراطية.. وسيكون مدينا لأول مرة.. للشعب الذي جاء به إلي موقع الرئاسة الأولي.. ليس المهم من سيحكم مصر في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة والخطيرة.. الأهم.. أن من سيصل إلي السلطة سيخرج منها وبالوسيلة ذاتها.. في وقت معروف سلفا.. في الانتخابات المقبلة أو التي ستليها.. المهم أن عجلة تداول السلطة في مصر قد بدأت.. والمطلوب ألا تتوقف أبدا تحت أي ظرف من الظروف.. أفرزت النتائج الأولية للانتخابات - التي تابعتها حتي كتابة هذه السطور - مفاجآت.. أولها تراجع المرشح عمرو موسي إلي المرتبة الخامسة .. وتقدم المرشح حمدين صباحي ليكون في المرتبة الثالثة حتي الآن بفارق ضئيل عن منافسه الفريق أحمد شفيق .. أيضا من المفاجآت أن يتراجع الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح إلي المرتبة الرابعة .. أما الدكتور محمد مرسي مرشح الاخوان المسلمين فيحتل المركز الأول في السباق الرئاسي.. إذن خمسة أسماء تمثل تيارات مصر السياسية والفكرية والاجتماعية هي التي تصدرت المشهد الانتخابي .. ويرجح المراقبون أن جولة الاعادة ستكون ربما بين الدكتور مرسي والفريق شفيق .. أجمل ما في الانتخابات أن الناخب المصري المتحمس للاقتراع شعر للمرة الأولي.. بأن صوته قد أحدث فرقا وأنه خاض غمار تجربة ليست محسومة النتائج سلفا.. لقد ولي عصر الاستفتاءات والرئيس الأوحد.. الذي لا بديل عنه إلا إياه.. أو بديل من صلبه.. لقد ولي عصر ال99.99 بالمائة.. هذه الانتخابات مختلفة.. هذه المرة الشعب هو من يقرر من سيجلس علي رأس هرم النظام.. الانتخابات الرئاسية علي تفردها ليست نهاية مطاف.. بل بداية حقبة تاريخية.. الرئيس المقبل.. لا يعرف كيف سيكون دوره وما هي صلاحياته.. لأول مرة في تاريخ مصر.. وربما العالم يجري السباق علي موقع غير محددة دستوريا وظائفه وصلاحياته.. فالدستور الجديد لم يقر بعد.. ومصر لم تقرر حتي الآن شكل نظامها السياسي الجديد.. هل هو نظام رئاسي- برلماني مختلط.. هل هو نظام برلماني حيث تتشكل الحكومات من داخل البرلمانات.. وتحظي بالولاية العامة.. تاركة للرئاسة الأولي.. صلاحيات فخرية ؟.. علي أن الأهم من كل هذا وذاك.. يتجلي في فيض أسئلة ما بعد الانتخابات.. كيف سيكون مستقبل مصر إن إستأثر الاسلاميون بمختلف المواقع والسلطات السيادية ؟.. ما شكل العلاقة المستقبلية بين مثلث السلطة في مصر: الجيش والرئاسة والبرلمان؟.. .هذا دون أن نأتي علي ذكر الأجندة الثقيلة التي تنتظر الطبقة السياسية الجديدة.. والتي تبدأ بإطعام ملايين الجياع وتوظيف ملايين العاطلين.. وحل مشكلة الاسكان.. ناهيك عن مشكلات المديونية وعجز الموازنة.. إلي غير ما هنالك من مشكلات تثقل كاهل مصر.. أيا كانت هوية رئيسها القادم.. ويضاف إلي كل هذا وذاك.. كيف ستتقرر وجهة السياسة الخارجية والعلاقات القومية والاقليمية والدولية لمصر في المرحلة المقبلة.. كيف ستكون علاقتها بالولايات المتحدة.. وما هو مستقبل السلام مع إسرائيل .. وغيرها من التساؤلات حول أجندة المسقبل.. علي كل حال ألف مبروك أقولها من قلبي لكل مصري .. فقد كانت جولة الانتخابات الأولي أكثر من رائعة ..!