جلال دويدار كنت من اصحاب الاصوات التي حذرت في الايام الاولي لثورة 25 يناير عام 2011 من عملية اختطافها من جانب المتربصين ونهازي الفرص الذين يتطلعون للقفز علي السلطة. في ذلك الوقت لم يكن احد يتخيل أو يحلم بنهاية النظام الحاكم السابق حيث تركزت المطالب علي التغيير والاصلاح الذي يؤدي الي تحقيق العدالة الاجتماعية وارساء دعائم الحرية والديمقراطية. وقد شاءت الاقدار ان يساهم النظام السابق بسوء الادراك السياسي والتخبط في التعامل مع نيران الثورة الي التعجل بنهاية وجوده وهو ما تمثل في تنحي رأس النظام. كان من الطبيعي ان يصاحب هذا التطور اعلان انهيار كل المخططات التي كان وراءها جماعة الفاسدين والمنتفعين من مهندسي عملية التوريث. وقد جاء انحياز المجلس الاعلي للقوات المسلحة الي جانب الثورة بعد ظهور بوادر هذا الانهيار واسناد مسئولية ادارة شئون الدولة الي الجيش. ليس خافيا ان المشكلة التي واجهت الثورة بعد نجاحها في اسقاط النظام تركزت في غياب النظام والانضباط وتشرذم الذين دعوا اليها وأوقدوا شعلتها واستسلامهم لجماعات المتربصين. وقد ادي طول فترة عدم الاستقرار والفوضي والانفلات الامني الي ان يسود القلق بين جموع الشعوب التي ايدت وساندت الثورة ومبادئها. جري ذلك بعيدا عن اي ايدولوجيات استهدفت السيطرة والهيمنة والتسلط علي مقدرات الوطن. اصحاب هذه الايدلوجيات نجحوا من خلال تنظيماتهم في استغلال الاوضاع غير المستقرة. استخدموا الشعارات التي تدغدغ احاسيس المواطنين لطرح انفسهم كواجهة لاعادة الاستقرار وترميم الاوضاع التي ولدها المناخ غير الصحي الذي ساد واستمر لشهور بعد الثورة. لقد ساعدهم في تحقيق اهدافهم سواء عن عمد او حسن نية او جهل ما تم اتخاذه من قرارات واجراءات من جانب المجلس الاعلي للقوات المسلحة الذي اوكل اليه ادارة شئون مصر. وكانت النتيجة مزيدا من حالة الفوضي الي حد الضياع استمرت حتي الآن. وجاء التصاعد في الاحداث ليؤدي الي احكام السيطرة من جانب المستفيدين من مواقف المجلس الاعلي. وهو ما أدي الي خطر داهم علي مستقبل هذا الوطن. ضاعف هذا الخطر غياب القدرة علي ارساء دولة القانون والمساواة التي تفتح الطريق امام استعادة الوطن لتوازنه للسير في تفعيل ما نادت به الثورة التي آمن بها الشعب. ان عوامل هذا الاحساس بالخطر ادت الي بعث روح الثورة من جديد وهو ما تجسد في العودة الي المليونيات التي اري ان لا تأثير ايجابيا لها اذا لم تتجاوب مع تطلعات الغالبية الشعبية التي اصابها الملل. لا يمكن بلوغ هذا الهدف إلا من خلال مساندة كل ما يساهم في تحقيق الامن والاستقرار وعودة عجلة الحياة الي الدوران خاصة في المجال الاقتصادي باعتباره ترمومتر المواجهة الصحيحة للمشاكل. اذن فان كل ما يطلبه الشعب من هذه المليونيات هو الا تكون مبررا أو حجة لاستمرار الفوضي وعدم الاستقرار. نعم ان الشعب مع هذه المليونيات اذا كان هدفها اصلاح المسار بما يقود الي اعادة التوازن الي الشارع السياسي واغلاق الطريق امام عملية استنساخ حزب وطني جديد يقوم علي نظام الحزب الاوحد المسيطر والمهيمن علي كل شيء. ولا يجب ان يكون هناك مجال للانتهازية التي تفرض الفكر والرأي الواحد باستخدام الممارسات غير المشروعة. كلنا مطالبون بالتصدي للاساليب الخادعة التي اوصلتنا لهذا الوضع المنافي للديمقراطية والحرية والمواطنة السليمة. لا جدال ان البعث الجديد للثورة قد استهدف بشكل اساسي ان يكون هناك دستور الدولة المصرية يضمن الحقوق ويحدد الواجبات والسلطات بالصورة التي تليق بشموخ وحضارة مصر وعظمة ثورتها. من هنا اقول ان كل ما تتمناه الغالبية الشعبية والمشغولة بهموم هذا الوطن.. هو ان تتركز احداث المرحلة القادمة علي سرعة استكمال المسيرة الديمقراطية. هذا لا يمكن ان يتحقق إلا علي أسس سليمة وان يعمل الجميع من أجل استعادة الاستقرار لصالح كل مجالات الحياة.