نعم.. بعض الشواهد تقول أنه كان هناك فساد ومفسدون في النظام الحاكم الذي سقط بثورة 52 يناير.. ولكن لابد من التفرقة بين هذا النظام وكيان الدولة المصرية ذات التاريخ والعراقة والشموخ. علينا أن ندرك ان تعداد شعب مصر وصل الي حوالي ال58 مليون نسمة وهنا يثور التساؤل: كم يبلغ عدد هؤلاء المتهمين الفاسدين المنتمين للنظام البائد والذين مازالوا قيد المحاكمة ولم تصدر ضدهم أي أحكام بالإدانة؟ حتي إذا كان عددهم مائة أو مائتين أو ثلاثمائة، فإنه يمكن القول أنه رقم متواضع جدا جدا مقارنة بعشرات الملايين الذين يتشكل منهم الشعب المصري. قد يكون حجم الفساد ضخما وهائلا من واقع الاتهامات والبلاغات والتي تتناولها التحقيقات والمحاكمات.. ولكن المؤكد ووفقا للمؤشرات والمعلومات حاليا ان ما يتم تناوله حول أرقام الثروات المنهوبة والأموال المحولة إلي الخارج يتسم بنزعة المبالغة والتهويل والتضخيم الذي يستهدف الاثارة، الجانب الاكبر من مسئولية عملية الشحن الجماهيري يتحملها الاعلام بكل نوعياته من خلال تعمده اسقاط عنصر الاستناد للدقة والتدقيق. عمليات النشر الموسع عن مئات المليارات التي قيل أنه قد تم نهبها دفعت قطاعات كبيرة من المواطنين إلي استعادة أحداث فيلم هاني رمزي الكوميدي "عايز حقي" والذي دارت أحداثه حول بيع كل شركات ومرافق الدولة وتوزيع ريعها علي أفراد الشعب استنادا إلي ما جاء في الدستور بأنها ملكية شعبية!! في هذا الإطار وفي براءة تامة وبعد عمليات جمع وطرح مضنية لقيمة مليارات الفساد التي تحدث عنها الاعلام انشغل الناس بعد ذلك في قسمة حصيلة هذه الأموال لمعرفة نصيب كل واحد منهم من هذه الأموال ويادار مادخلك شر!! ان أخشي ما أخشاه أنه وبعد استكمال المحاكمات ومراجعة القرائن والمستندات أن "يطلع نأب الناس المترقبين لنتائجها علي شونة" وأن ينتهي الأمر بأن قيمة الأموال التي سيتم استرجاعها علي غير التوقعات والآمال والطموحات. إذن وإلي أن يأذن الله بنهاية لهذه المحاكمات التي تسفر عن استعادة الدولة المصرية لأي أموال تم نهبها أو الاستيلاء عليها بغير حق فانني اتمني ان تكون هناك نوبة استيقاظ. ان الهدف من وراء ذلك هو توعية الناس بأن استعادة الأموال المنهوبة ليس هو مربط الفرس لثورة 52 يناير وإنما المكسب الأكبر والذي لا يقدر بمال هو بناء المستقبل القائم علي الحرية والديمقراطية وان يسود حياتنا مناخ من الأمن والاستقرار الذي تتوافر فيه الضمانات اللازمة التي لا تسمح بظهور فاسدين جدد. علينا أن نؤمن بقيمة وقوة الثورة التي تمكنت من اسقاط نظام الحكم التليد وهزت أركان فساده السياسي والاقتصادي.. علينا أن ندرك أن الوقت قد حان لنتحرك جميعا صفا واحدا من أجل المضي قدما في الاصلاح والتغيير إلي الأفضل والأحسن علي اسس سليمة وراسخة. لابد من الإرادة والقوة والعزيمة من أجل استعادة التوازن وسرعة إعادة عجلة الحياة إلي الدوران، يجب أن نخرج من محنة تعطيل العمل والانتاج والفكاك من عملية شغلنا بالأزمات المريبة المفتعلة وأن تتوقف بالمواجهة القوية الصلبة أعمال الانفلات الأمني وتصاعد مظاهر الفوضي والتسيب. إن نجاحنا في هذه المهمة سوف تكون أكبر ضربة لمحاولات عودتنا للنظام الفاسد ولحياة الفاسدين، ان الذين يتآمرون علي الثورة ليسوا فلول النظام الذي سقط وحدهم.. ولكن الأخطر منهم والأكثر فاعلية هي تلك الفئات الانتهازية المتربصة والمُنظمة التي تستند الي ممارساتها غير المسئولة لنشر الفوضي والتسيب والاحساس بعدم الأمان. ان البعض وللأسف يفهم الحرية علي غير الواقع وفي غير الصالح الوطني، انطلاقا من هذا القصور فان ما تقوم به بعض الفئات يعد وبكل المقاييس فسادا أكبر وأخطر من كل ما يتم محاكمة مفسدي النظام السابق عليه، ان أهدافهم التي تفضحها تصرفاتهم تتجاوز نزعة الافساد.. إلي عملية هدم وتدمير مستقبل هذا الوطن والقضاء علي أهداف ثورته الشعبية. حذاري حذاري من المفسدين الجدد. نقلا عن صحيفة الاخبار المصرية