يعوزني ويعوز الكثير من الواجفين علي نجاة هذا الوطن مما يتتري فيه من احتراب أهلي تفسير لمليونية الشريعة التي تتداعي إليها الجماعات الجهادية والسلفية والأخوانية (والإسلامية عامة) وتحدد لها الجمعة الأخيرة من شهر شعبان (من الأشهر الحرم التي يمتنع فيها الاحتراب). لا الجماعات الجهادية ولا السلفية ولا الصوفية ولا الإخوانية تحتاج إلي مليونية للإعلان عن نفسها ومواقفها، فهم يملكون شبكات إعلامية بفلوسهم، ويدعون إلي شبكات إعلامية بفلوس الغير تضمن لهم الذيوع والانتشار ولأفكارهم الرواج، ولمواقفهم الإعلان، ويكفيهم منابر المساجد التي يحتلونها في غفلة عن الجميع وتراخ من وزارة الأوقاف وممالأة من الأزهر الشريف لإعلان الجهاد علي العلمانية الكافرة، والديمقراطية المستوردة، وتحبيبًا للشوري المسلمة الملهمة، وإطلاق أحط الأوصاف وأبشع الاتهامات في حق المختلفين حتي لو كانوا من ثوار التحرير. ثانيا: معلوم أن دعوة المليونية لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالشريعة، للشريعة رب يحميها، لكنه استعراض قوي بمنطق ترهبون به عدو الله وعدوكم، لكن أين هم أعداء الله وأين هم أعداء الجماعات، نفر العلمانيين لن يقدم ولن يؤخر في اكتساح منتظر للإسلاميين للانتخابات البرلمانية، والمحلية، وأيضا الرئاسية (إذا لم يظهر نجم في الأفق)، فقط يزيد الاحتقان علي الجانب المسيحي، ويرهب أصحاب الديانات الأخري، وينذر بما جري في السودان إبان تطبيق الشريعة علي أيدي المخلوع، جعفر نميري، وبين المرشحين الإسلاميين في سدة الرئاسة من أسس لقواعد نظام الشريعة السوداني الذي انتهي بالسودان إلي دولتين، وربما ثلاث في المستقبل. ثالثا: مليونية إعلان الشريعة لن تنتهي بتطبيق الشريعة، ولكنها تعطي المسيحيين في المهجر سببًا إضافيا وقويا لطلب الحماية الدولية بل وتعطي زخمًا لفكرة الدولة القبطية الشيطانية التي يتداعي إليها نفر بغيض وكافر بالمصرية، يسمونها دولة "زقلمة" وبئس المصير. رابعا: حد داس لدعاة الدولة الدينية علي طرف، حد طلب دولة علمانية، حد طلب إلغاء المادة الثانية من الدستور، حد أعاد فصل ما تم فصله من الدين عن الدولة، لا يضع الشريعة موضع جدال سوي تلك المليونية وغيرها من الكتب والدعوات والخطب المنبرية والفضائية التي تكفر العلمانية وترميهم بالصهيونية وتدمغهم بالماسونية، لا نبيع لهم ولا نشتري منهم، لا نتزوج منهم، ونحصرهم في شعب العباسية جوار الكنيسة باعتبارهم علمانيين أي أقرباء البابا أو مجانين يصح نقلهم إلي صحراء العباسية (عنبر 43) خطرين علي الدولة الإسلامية، دولة الخلافة. خامسا: المجلس العسكري لايحتاج إلي مليونية بأعلام خضراء، المجلس العسكري في قلب المصريين جمعاء، ويلتف حوله المصريون كافة، ولم يدع أحدًا إلي مليونية، ويرفض المليونيات المجانية، فقط مليونية الإنتاج هي ما يحتاجها المجلس العسكري، البلد علي شفا الإفلاس، لقد نفد رصيدكم من العملات الصعبة، صعبة هي الأيام المقبلة علي المجلس العسكري، التقرب إلي المجلس العسكري لايكون بالمليونيات التي تشبه المجلس (من الشبهة) وتضعه محل تهم وصفقات، والمجلس يقف بعيدا وبمسافة واحدة من كل القوي السياسية، شرعية وعلمانية وحزبية، الكل في واحد، والمجلس واحد في الكل. سادسا: مليونية الشريعة إذا قصد منها الدعوة إلي الاستقرار بمعني فض الاعتصامات وإخلاء ميدان التحرير وميادين أخري لن توفر استقراراً ولن تفض اعتصاماً ، ستؤجج التحرير، وتزداد ضراوة الاعتصامات، مليونية الاستقرار تعني أن الفوضي مصدرها التحرير، تعني أن من يعتصمون في التحرير أو أصحاب مليونيات الغضب والتطهير والقصاص فوضويون، يهزون الاستقرار. سابعا: مليونية الشريعة ترجمتها الحرفية لا تعني أبدًا مليونية الاستقرار، ربما كانت مليونية الانتخابات التشريعية، مليونية الدستور الشرعي، يجزع منها من كان قلبه ضعيفًا، ويحسم المتردد اختياره، ويقع في قلب المعارض خشية ورهبة وعجزًا، مليونية الترهيب وليس الترغيب. ثامنا: إحساس المبالغ فيه بالقوة يدفع بتلك القوة إلي - وإن كنت أشكك في قوتها الفعلية كماً وكيفاً- إلي حافة الصدام مع قوي أخري تحفل بها الساحة، لا تقل قوة ولا بأساً، علي طريقة من شعر دقنه وافتل له، فلننتظر مليونية الأقباط، علي المستوي الديني، ومليونية اتحاد العمال، ومليونية الفلاحين علي المستوي الطبقي، ومليونية النساء علي المستوي الجنسي، ومليونية الصعايدة، ومليونية البدو، علي المستوي الجهوي، ومليونية النوبة علي المستوي الاثني والعرقي، وهلم جرا من مليونيات تبدأ بالشريعة وتنتهي بمصر، لا الشريعة سادت ولا مصر سادت، كما ينبغي لها السيادة بدلا من الريادة التي ابتذلها الحزب الوطني البائد. تاسعا: مليونية الشريعة شرها أكثر من خيرها، وكما قال الشارع أخف الضررين، وما يترتب علي تلك المليونية من شق الصف الوطني مابين مسلمين ومسيحيين، وشق الصف الثوري مابين علمانيين ومتدينين، وشق الصف الإسلامي مابين إخوان وسلفيين وجهاديين، خطر داهم لو تعلمون لن تخلف استقراراً.. ستخلف نارا وقودها الناس والحجارة. عاشرا: كان حريا بالسلفيين والجهاديين والإخوان الترفع عن المليونيات بخاصة الدينية ، من يبحث عن الاستقرار يهيئ الأجواء للاستقرار لا يزيدها ناراً، كفاية نار الصيف، كما أن المليونية صارت مضغة، ابتذال المليونيات في الفاضي والمليان، سيأتي وقت حتما نلعن فيه المليونيات، ومن دعوا إليها وعملوا عليها، ففروا إلي الله.