سنوات عديدة مضت علي ظاهرة القيام بهجمات انتحارية يفجر فيها شاب أو فتاة نفسه أو نفسها في مكان ما، و وسط أكبر كم ممكن من المارة الذين لا تربطهم أية علاقة بهذا الانتحاري أو تلك الانتحارية. حدث هذا في دول شتي. في أوروبا، وأمريكا، وآسيا، والشرق الأوسط. الظاهرة الانتحارية ابتكرتها العقلية الإرهابية لتنظيم »القاعدة« تحت قيادة إمامها، وزعيمها، وممولها: »أسامة بن لادن«. وهناك »هيئة« تابعة لهذا التنظيم الإرهابي العالمي قيل إنها مخصصة لجذب الشباب المُضلل وإقناعهم بأن التضحية بأرواحهم لا تعتبر انتحاراً مادامت ستقتل »أعداء الإسلام«، وتنسف رموزهم، وتدمر قلاعهم، وهو ما يُعلي رايات الإسلام خفّاقة. ليس هذا فقط.. بل إن التضحية ب »الجسد الفاني« ستكون وسيلته المضمونة لضمه إلي قوائم الشهداء في سبيل الله ورسوله ودينه، الذين تتفتح أمامهم أبواب الجنة علي مصاريعها. كثيرون صدقوا »مقولة« تنظيم القاعدة. وحتي معظم أجهزة الإعلام خاصة سيل القنوات الدينية متعددة الجنسيات لا يجد فقهاؤها أدني حرج في منح القتلة، الإرهابيين، لقب »الشهداء«، ومساواتهم بأعظم الشهداء الحقيقيين الذين ضحوا بحياتهم من أجل أوطانهم، وشعوبهم، وحماية حدودهم. وهناك في تلك الأجهزة الإعلامية من يتحرّج من وصف المنتحر ب »الإرهابي« أو »القاتل« ويفضل وصفه ب »المسلح« الذي يمكن أن يُفهم منه إنه »شهيد« بالنسبة للبعض، أو »مناضل وطني« بالنسبة للبعض الآخر! الوصف الصحيح الذي يستحقه »الإرهابي الانتحاري« سمعناه أخيراً جداً من عالم الدين الإسلامي المقيم في لندن: »محمد طاهر القادري« في فتواه التي أصدرها في مطلع الشهر الحالي في 600صفحة، وتحت عنوان: »فتوي في التفجيرات الإنتحارية والإرهاب«. والشيخ »القادري« باكستاني الجذور، ويقيم في بريطانيا، ويكرس حياته من أجل تصحيح مفاهيم الدين الإسلامي الحنيف في عيون وأذهان ضحايا الافتراءات والمزاعم التي ينسبها البعض إلي هذه المفاهيم. جاء في فتوي الشيخ القادري »نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط« أن: [الإسلام ليس بريئاً فقط من التفجيرات الانتحارية، والهجمات التي تستهدف المدنيين، وإنما أيضاً يُخرج المتورطين فيها من ملّة الدين الحنيف.. أي أن الإسلام يعتبرهما كفّاراً]. هذا الرأي الحاسم الذي تضمنته فتوي العالم الإسلامي »محمد طاهر القادري« وجد ترحيباً شديداً ومستمراً من غالبية ال 7.1مليون مسلم يعيشون في بريطانيا. وسارع المجلس الإسلامي البريطاني الذي يمثل نحو500رابطة إسلامية بتأييد الفتوي في بيان يقول:[إنه لأمر محمود تماماً أن يعلن علماء بقدر طاهر القادري رفضهم للإرهاب]. وفي فتوي ال600صفحة وصف الداعية »القادري« تنظيم القاعدة الإرهابي بأنه: »شر قديم باسم جديد«. وأعرب الشيخ الجليل عن اعتقاده بأن »السواد الأعظم من شباب المسلمين في بريطانيا لم ينجرفوا إلي التشدد، كما أنهم سيفكرون مرة أخري بعد قراءة هذه الفتوي«. وفي حديث أدلي به »القادري« لمراسل الزميلة »الشرق الأوسط« يعلمنا الشيخ أنه أصدر فتواه بعد دراسة متعمقة، لمدة ثلاثة شهور، كان خلالها علي اتصال مستمر مع علماء وشيوخ من المنطقة العربية، وأن الفتوي ستصدر قريباً بثلاث لغات منها العربية، علي شبكة الإنترنت، وتتضمن تفنيداً للدوافع الدينية للإنتحاريين بهدف محاولة إقناع الشباب المسلم بالنأي عن التطرف. وفي تغطيتها الواسعة للفتوي المهمة، استطلعت صحيفة »الشرق الأوسط« آراء العديد من المعنيين حولها، من أبرزهم: الدكتور كمال الهلباوي الباحث المتخصص في الدراسات الإسلامية، والمتحدث السابق ل »التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في الغرب« الذي قال: [إن الشيخ القادري رئيس جمعية »منهاج القرآن« عالم جليل له وزنه، وله أتباع وتلاميذ في كل مكان حتي في المنطقة العربية وليس في باكستان وبريطانيا فقط، ويستطيع أن يصدر فتوي بشخصه مثل: شيخ الأزهر، أو الشيخ القرضاوي رئيس اتحاد علماء المسلمين وسيكون له تأثير كبير بفتواه ضد الانتحاريين علي أبناء الجالية الآسيوية المسلمة في أوروبا والنأي بهم عن تيارات الأصوليين وأيديولوجيات تنظيم القاعدة]. فتوي الشيخ القادري نشرت في 600صفحة، وستعرض قريباً علي الإنترت بثلاث لغات منها العربية كما أكد كاتبها وبالتالي فأتمني لو اهتم دعاتنا الأفاضل بقراءتها، والفحص والتمحيص في أدلتها وتفنيداتها، ليسمعونا بعدها آراءهم وتعليقاتهم أو حتي اعتراضاتهم عليها.. إن وجدت.