يتفق الناس في السودان وفي غير السودان أن الفترة التي انقضت من عمر الفترة الانتقالية التي امتدت لخمس سنوات، ابتداء من توقيع اتفاقية السلام الشامل في العاصمة الكينية نيروبي بين الحكومة وحزبها الغالب آنذاك المؤتمر الوطني وبين الحركة الشعبية، وحتي مطلع هذا العام 2010م، يتفقون أن أكثر هذه إن لم تكن كلها قد ضاعت في غير ما خصصت له، وهو تعاون الشريكين لجعل خيار الوحدة راجحاً. وأكثر ما أضاع هذه الفترة هو المعاكسات والمناكفات والمشاكسات بين بعض منسوبي الشراكة، التي أوشكت في أوقات كثيرة إلي نسف السلام كله. ولعل الناس يذكرون الأزمات التي مرت، وكان أشهرها تجميد الحركة الشعبية مشاركتها في الحكومة الاتحادية لفترة بلغت الشهرين، أو تجاوزتها، ثم الأزمة الثانية التي اندلعت إثر طرح بعض القوانين علي البرلمان، منها قانون الاستفتاء وقانون الأمن العام وبعض القوانين الأخري، وهي أزمة كان من إفرازاتها انسحاب نواب الحركة الشعبية من البرلمان، إلي أن تم احتواء الأزمة بتدخل العقلاء من الحزبين الشريكين بقيادة الزعيمين الرئيس عمر البشير ونائبه الأول رئيس الحركة الشعبية الفريق أول سلفا كير ميارديت، وهي ذات الطريقة التي تم بها تجاوز الأزمة الأولي أزمة تجميد الحركة مشاركتها في الحكومة الاتحادية. ونشهد أنه عندما (دخل الكلام الحوش) بدنو الأجل المقرر للاستفتاء صار الشريكان يتعاملان بمسئولية أكبر من التي كان عليها الحال في الفترة الماضية. وبدأ هناك عمل جاد لتحقيق مطلوب اتفاقية السلام وهو ترجيح خيار الوحدة. وبدأت اللغة تتغير في طابعها العام فصارت تميل إلي التوافق. وصار التسامح والتراضي هو السمة الغالبة علي تعامل الشريكين مع بعضهما البعض، ولقد ظهر ذلك في الطريقة السلسة التي تم بها تقسيم الحقائب الوزارية ولجان البرلمان بين الشريكين. ومن أظهر الأمثلة الدالة علي ذلك تنازل المؤتمر الوطني عن وزارة النفط للحركة الشعبية، وكذلك منحها لجنة الوحدة بالمجلس الوطني. ثم نشطت الحكومة بقيادة نائب الرئيس السيد علي عثمان محمد طه، وبتكليف ومتابعة شخصية من الرئيس المشير عمر البشير في تنفيذ مشروعات ضخمة في جنوب السودان وفي مناطق التمازج، وفي ربط الجنوب بالشمال برياً وبحرياً عبر صندوق دعم الوحدة الذي يتولي إدارته الرجل الجاد الأستاذ يحيي حسين. كل هذه المتغيرات تبين أن المسعي العام يتجه نحو دعم خيار الوحدة. ويؤكد أن الشريكين يعملان بجدية ومسئولية في ذلك لاسيما المؤتمر الوطني صاحب المسئولية الأكبر بحكم موقعه وتاريخه وتكوينه. وفي مثل هذه الظروف، واستفادة من تجربة الماضي التي أضاعت لنا وقتاً عزيزاً في المناكفات والمعاكسات، ينبغي أن ننظر إلي كليات الأمور لا جزئياتها. فلا يتوقع أحد أن تكون الحركة الشعبية كلها علي قلب رجل واحد يعمل من أجل الوحدة. فبعض منسوبي الحركة الشعبية لديهم قناعات قوية بأن الانفصال أفضل لهم من الوحدة. ولا نتوقع أن تتعامل معهم الحركة الشعبية وحكومة الجنوب بذات الطريقة التي تعاملت بها الحكومة والمؤتمر الوطني مع الانفصاليين الشماليين، ويعلم الناس أن الحكومة قد أوقفت صحيفة الانتباهة التي تتبع لمنبر السلام العادل الذي يروج لفصل الجنوب عن الشمال. ومعلومة علاقات أهل المنبر مع أهل المؤتمر الوطني والحكومة، ومعلوم كسب قادته السابق. ولكن الحركة الشعبية وحكومة الجنوب لا يتمتعان بما تتمتع به الحكومة والمؤتمر الوطني من سلطان علي أهل الشمال، هذا فضلاً عن أن الانفصال الذي يعتبر انتكاسة في الشمال، يعتبره بعض أهل الجنوب مكسباً. وهؤلاء لا يقولون »انفصال الجنوب« وإنما يسمونه »استقلال الجنوب« ومثل هؤلاء ومنهم نافذون ومتقدمون في الحركة الشعبية لا تستطيع الحركة أن تتعامل معهم بالحسم الذي تعاملت به الحكومة مع الانفصاليين الشماليين. ولكن ما دام التيار العام في الحركة الشعبية وفي الجنوب يسير نحو الوحدة، فتصرف الحكومة نظرها عن الفالتين من الانفصاليين الجنوبيين، ولا تعر أقوالهم اهتماماً. ولا تجعلهم يؤثرون علي المسيرة القاصدة نحو الوحدة. ولنتعامل مع هذه الوحدة بكلياتها. وهنا يكون الشراء بالجملة لا بالقطاعي »التجزئة«.