عندما سمعت أحزاب المعارضة السودانية تدعو لتأجيل الإنتخابات التي دخلت مراحلها المتقدمة، تذكرت صديقاً ساخراً قال عند إعلان ثبوت رمضان، أن رمضان قد جاء هذا العام فجأة. ولئن كان شهر رمضان يعلم قبل عام كامل من مجيئه، فإن الإنتخابات التي تجري الآن في السودان علم أجلها منذ اليوم التاسع من يناير عام 2005 وهو اليوم الذي تم فيه توقيع إتفاق السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية في العاصمة الكينية نيروبي. ولعل الناس يذكرون أنه عندما جاء اليوم التاسع من شهر يوليو من العام الماضي 2009 أقامت المعارضة السودانية الدنيا ولم تقعدها لأنهم كانوا يرون أن ذاك اليوم هو آخر أجل مسموح للحكومة لإقامة الإنتخابات وتسليم السلطة. وما كانوا راضين بالتأجيل حتي الحادي عشر من أبريل هذا العام وهو التاريخ الذي تراضي عليه الشريكان، وأجازه البرلمان وقتاً مناسباً لإجراء أهم إنتخابات في تاريخ السودان الحديث.. لم أجد بين كل ما قدمته المعارضة من مبررات لتأجيل الإنتخابات سبباً واحداً مقبولاً. والسبب الوحيد غير المعلن والذي دعا أكثر المعارضين للدعوة للتأجيل هو أنهم لم يأخذوا الأمر مأخذ الجد ولم يعدوا له عدته المطلوبة. وأبسط دليل علي ذلك أنه لم يوجد من بين تلك الأحزاب الداعية للتأجيل حزب واحد نشط علي أيام التسجيل للسجل الإنتخابي الذي تقوم عليه كل العملية الإنتخابية. وذلك علي عكس حزب المؤتمر الوطني الذي أعد لكل شيء عدته. ومع ذلك تصبح هناك أحداث ومواقف تستحق الوقوف، ومن هذه المواقف موقف الحركة الشعبية بسحب مرشحها لرئاسة الجمهورية السيد ياسر سعيد عرمان. وفي تقديري أن ما قدمه بعض المتحدثين باسم الحركة من تفسيرات لهذا السحب يأتي كله في إطار التزيين للأصدقاء وعدم ترك فرصة للأعداء للشماتة. ولكن من الواضح أن قيادة الحركة الشعبية عندما دفعت بياسر عرمان للترشيح لم تكن تعني منافسة الرئيس البشير بقدر ما كانت تعني مغازلة حلفائها المؤقتين في تحالف جوبا. وبأن ذلك عندما استبقت إجتماع التحالف بساعات قليلة وأعلنت سحب مرشحها الرئاسي في خطوة جاءت مفاجئة حتي للمرشح نفسه ولصديقه الأمين العام للحركة السيد باقان أموم. وفي تقديري أن قيادة الحركة كانت موفقة بدرجة عالية في هذا القرار. أما موقف الحزب الإتحادي الأصل بقيادة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني فهو أيضاً جاء مليئاً بالحكمة. فسحب مرشح الرئاسة الأستاذ حاتم السر كان بمثابة ضربة معلم. فلم تكن لحاتم حظوظ في الفوز رغم ما أصابه من دوار بسبب الإنسحاب المفاجئ. ثم أن هذا الإنسحاب مع الإبقاء علي المنافسة في الدوائر البرلمانية علي كافة مستوياتها يحفظ للحزب حقه في المشاركة في الحكومة القادمة علي كافة مستوياتها الإتحادية والمركزية. وهي المشاركة التي صارت بعيدة عن السيد الصادق المهدي وحزبه، وهي المشاركة التي افتقدها في الفترة الماضية أيضاً بسبب قراءاته الخاطئه، رغم أنه كان الأقرب لها قديماً وحديثاً. ولكنها القراءات الخاطئة، وسوء الخطاب.. الحزب الأسعد بالإنتخابات هو حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن الترابي. وهو قد قطع باكراً بالمشاركة في الإنتخابات. والإنتخابات أعادت حزب المؤتمر الشعبي وزعيمه إلي دائرة الضوء، وسوف يعود أكثر بعد الإنتخابات. فبعد مشاركة الإتحاديين ومقاطعة حزب الأمة خلت الأجواء للشعبي لنيل مقاعد المعارضة. وسوف يحظي الدكتور الترابي الذي ترشح في الدوائر النسبية بقيادة هذه المعارضة. وهو أكبر كسب يمكن أن يحققه في مثل هذه الظروف.