لم يولد نصر حامد أبو زيد بملعقة ذهبية في فمه. علي العكس كانت سنوات طفولته صعبة، وفترة شبابه أصعب. رغم تفوقه في دراسته، إلاّ أنه انقطع عنها بعد حصوله علي دبلوم المدارس الثانوية الصناعية شعبة لاسلكي بحثاً عن وظيفة يساعد براتبها الهزيل في تكاليف الأسرة، ويصرف منه أيضاً علي مواصلة دراسته الجامعية والتخصص في المجال الذي يحلم به. بعصامية يجب الإشادة بها، استطاع »نصر أبو زيد« أن يلتحق بكلية الآداب، ويتخرج فيها حاملاً الليسانس في اللغة العربية بتقدير»امتياز«. من الليسانس إلي الماجستير الذي حظي بشهادته في الدراسات الإسلامية. ومن الماجستير إلي الدكتوراه في الدراسات الإسلامية التي نالها من جامعة القاهرة بامتياز مع مرتبة الشرف الأولي. أحلي سنوات عمره أعطاها »نصر أبو زيد« لدراسة الدين الإسلامي، علي أيدي كبار أساتذة ومفكري الإسلام في مصر، كما ضاعف دراسته وتبحره في الإسلام من خلال تخصصه العالي في الدراسات الإسلامية: ماجستير ثم دكتوراة.. مع مرتبة الشرف الأولي التي أجمع أساتذته علي منحه درجتها تقديراً من جانبهم لنبوغه، وعلمه، وأبحاثه غير المسبوقة. وأصدر الدكتور نصر حامد أبو زيد دراسات ومؤلفات كان من الطبيعي أن تثير الجدل ما دام صاحبها المتخصص أكاديمياً في الفكر الإسلامي طرح جديداً في تحكيم العقل في التفسير، وفي قضايا تجديد الفكر الإسلامي. وكان من الطبيعي علي مستوي الأساتذة وكبار العلماء أن يثار الجدل حول ما طرحه »د. نصر حامد أبو زيد« ، لأن الفكرة يرد عليها بفكرة مضادة. لكن غير الطبيعي أن حفنة من الأساتذة والعلماء الإسلاميين أصدروا »فتاوي« في منتصف التسعينيات بأن زميلهم »ارّتد عن الإسلام«! ولم يكتفوا بإصدار هذا الحكم الرهيب علي أحد كبار المتخصصين أكاديمياً في الدراسات الإسلامية وإنما لجأ بعضهم إلي القضاء المدني الذي أصدر بدوره حكماً بتفريقه عن زوجته الأستاذة الدكتورة »إبتهال يونس« أستاذ الأدب الأسباني في جامعة القاهرة وهو ما صدم الزوجين، المثقفين، الوفيين، و قررا أن الحياة في مصر آنذاك ليست تلك التي عرفاها، و مادام من السهل »تكفير« المسلم ويفضل أن يكون عالما،ً وخبيراً، وأستاذاً، في الفكر الإسلامي.. حتي يثير ضجة محلية وعالمية فمن الأعقل أن يغادرا البلاد في هذه الفترة، بحثاً عن مجتمع أكثر تسامحاً، واحتراماً للفكر، والمفكرين. دول عديدة وافقت علي لجوء د. نصر حامد أبو زيد إليها. و اختار المفكر الإسلامي المصري »هولندا« ليعمل أستاذاً في أشهر وأعرق مؤسساتها التعليمية، التثقيفية: جامعة »ليدن«. 15 عاماً أمضاها الأكاديميان: د. نصر أبو زيد، و زوجته: د. إبتهال يونس، بعيداً عن وطنهما وأهلهما بلا ذنب ارتكباه، لكن لأن من تصوّر نفسه متحدثاً باسم السماء قرر إطلاق »فتوي« تكفر الرجل، و تبعده عن زوجته، عقاباً له لأنه طرح رأياً، أو أصدر كتاباً، اعتبره البعض »ارتداداً« عن الدين، و »كفراً« بالله، و »تقييماً سلبياً«، للقرآن الكريم! ليس مهماً أن الرجل دافع عن نفسه، وعن إيمانه بدينه الإسلامي.. لأن دفاعه لم يجد من يسمعه من بين مكفريه. وحتي إن سمعه أحدهم فلن يقتنع به.. فأحكام »الردة« و »التكفير« لا تقبل استئنافاً، أو نقضاً. الروائي المصري »رؤوف مسعد« المقيم في أمستردام يحدثنا، عبر موقع القسم العربي/بالإذاعة الهولندية عن صلاته القوية بالراحل الكبير سواء في مصر أو هولندا، يتذكر منها علي سبيل المثال أنه أي الروائي رؤوف مسعد اقترح علي المفكر الإسلامي د. نصر أبو زيد، في نهاية التسعينيات، أن يشاركا معاً في إعداد وإصدار كتاب مبسط عن ديننا الإسلامي الحنيف، بحيث يقوم »رؤوف مسعد« بدور »محامي الشيطان« أي بالهجوم التقليدي علي الإسلام في حين يقوم الدكتور »نصر أبو زيد« بصفته مفكراً إسلامياً أكاديمياً بتفنيد حججي. الهدف من الكتاب هو تقديم رؤية بسيطة عن الأديان، بشكل عام، وعن الإسلام، بشكل خاص. ورحب الدكتور نصر بالفكرة. وعمل الاثنان في إعداد الكتاب الذي صدر في المغرب بعنوان: » الإسلام لإبني« ووجد انتشاراً كبيراً بين شباب المسلمين خاصة في أوروبا. نال المفكر الإسلامي الراحل »د. نصر حامد أبو زيد« تكريماً أكاديمياً رفيع المستوي من جامعات هولندا، ومن الدوائر الأكاديمية الاستشراقية الغربية المهتمة بالتأويلات والدراسات المعاصرة للإسلام. ويختتم الروائي المصري المقيم في هولندا حديث ذكرياته مع »أبو زيد« قائلاً: [ أذكر أنني سألته إبان حواراتنا الطويلة عن أمنيته العزيزة إلي قلبه، فقال:»أن ألتقي بتلاميذي المصريين والعرب في الجامعة المصرية، وأن أدفن في مصر«. وكانت الأقدار به رحيمة بطريقتها فحققت له أمنيته في الفترة الأخيرة من حياته القصيرة، التي كرسها للدفاع عن معتقداته.. وإن كلفه هذا الدفاع، الكثير. رحمه الله رحمة واسعة].