انسحاب 2005 غزة.. حصار ومحرقة إعداد: إيمان التوني "ليخ لغزة" عبارة إسرائيلية شهيرة تعني "اذهب إلى غزة" ويقصد بقولها "اذهب إلى الجحيم"، وبالتالي فإن غزة هي الجحيم للإسرائيليين. لذا فإن الهجوم الإسرائيلي الذي بدأ جوا في الأيام الأخيرة من 2008، وتطور إلى اجتياح بري وقصف شامل جوا وبرا وبحرا في الأيام الأولى من 2009، لم يكن إلا دليلا على مدى قوة مقاومة هذه البقعة الفلسطينية العربية التي مثلت هاجسا كبيرا لدى القيادة السياسية والعسكرية في الدولة العبرية منذ قيامها. وكان قطاع غزة تحت الانتداب البريطاني على فلسطين قبل وقوع نكبة عام 1948، ثم خضع لحكم عسكري مصري منذ 1948 حتى 1956. وإثر النكبة، تدفق اللاجئون الفلسطينيون إلى القطاع، وأصبحوا القاعدة الأساسية له، والقنبلة الموقوتة التي يخشى انفجارها قادة الاحتلال الإسرائيلي المتوالون على مدى 60 عاما، عدا رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "مناحم بيجن" – سادس رئيس وزراء من 1977 حتى 1983 - الذي رفض التخلي عن غزة بغية إقامة مستوطنات جديدة فيها. "رابين": أتمنى غرق غزة أما أول رئيس وزراء إسرائيلي "ديفيد بن جوريون" فقد أعرب عن خشيته من اجتياح القطاع في 1948. بينما تمنى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "اسحق رابين" – الذي اغتيل عام 1995 - أن يصحو ذات يوم فيجد غزة قد غرقت في البحر. وخلال حرب السويس – العدوان الثلاثي على مصر - عام 1956، غزت إسرائيل بموافقة فرنسا وبريطانيا قطاع غزة للمرة الأولى، وعاش الفلسطينيون لأشهر قليلة تحت الإدارة العسكرية الإسرائيلية المحتلة. وسرعان ما اضطرت إسرائيل إلى الانسحاب من القطاع بداية العام 1957، فعاد القطاع مجددا تحت الحكم المصري. وفي أعقاب نكسة 1967، احتل الجيش الإسرائيلي قطاع غزة ثانية مع شبه جزيرة سيناء، وخضعت غزة مجددا تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي المباشر. وفي ديسمبر/ كانون الأول 1987، اندلعت الانتفاضة الأولى في مخيم جباليا للاجئين. ثم جاءت اتفاقات أوسلو عام 1993 وعودة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى القطاع، الذي أصبح مشمولا بالحكم الذاتي وفقا للاتفاق الموقع من قبل منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. انسحاب 2005 وبعد شهر من اندلاع الانتفاضة الثانية في سبتمبر/ أيلول 2000 بدأ إطلاق الصواريخ من قطاع غزة مستهدفة المناطق الإسرائيلية. وفي يونيو/ حزيران 2005 أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "آرئيل شارون" بانسحاب أحادي الجانب للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، وإجلاء نحو 8 آلاف مستوطن سمحت لهم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ 1967 بالإقامة فيه. وعلى صعيد النزاع الداخلي الفلسطيني، فقد استولت قوات حركة "حماس" – التي نجحت في انتخابات 2005 وأصبح معها "إسماعيل هنية" رئيسا للحكومة - على الأجهزة الأمنية في قطاع غزة في 13 يونيو/ حزيران 2007، لتفرض سيطرتها على القطاع وتطرد القوات التابعة لحركة فتح التي يتزعمها رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية "محمود عباس". وردا على ذلك أعلن "عباس" حل الحكومة الفلسطينية برئاسة "هنية" وتعيين حكومة طارئة برئاسة المستقل "سلام فياض". غزة.. حصار ومحرقة وفي أعقاب سيطرة "حماس" على غزة بالكامل، فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصارا خانقا على القطاع، قطعت خلاله الوقود والكهرباء، وحرمت أهل غزة من السلع الغذائية الأساسية، وأغلقت المعابر كافة، ومن بينها "معبر رفح"، ما أدى إلى اقتحام ما يقرب من 750 ألف فلسطيني بوابة "صلاح الدين" للدخول إلى مصر في 23 يناير/ كانون الثاني 2008، ومن ثم أمر الرئيس المصري "حسني مبارك" قوات الأمن بالسماح للفلسطينيين بالعبور لشراء حاجاتهم الأساسية والعودة إلى قطاع غزة طالما أنهم لا يحملون أسلحة أو أي محظورات. وفي فبراير/ شباط 2008 شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي حملة عسكرية موسعة ضد قطاع غزة استمرت ل5 أيام – راح ضحيتها 116 فلسطينيا بينهم 26 طفلاً ما بين شهيد وجريح - بدعوى القضاء على عناصر حركة "حماس" التي تطلق الصواريخ على المناطق الإسرائيلية. وقد أطلق على هذه العملية العسكرية "محرقة غزة" ، وهي التسمية التي جاءت بعد أن وصف وزير الدفاع الإسرائيلي "إيهود باراك" ما يفعله جيش الإسرائيلي في غزة ب"هولوكوست" أو "محرقة للفلسطينيين"، وذلك إثر مقتل جنديين إسرائيليين على يد عناصر من حركة "حماس" أثناء مقاومتها لجيش الاحتلال. وفي نفس اليوم الذي أعلنت فيه انتهاء العمليات العسكرية في غزة، أعلنت مصادر إسرائيلية أنها كانت مرحلة أولى، وأنه قد تكون هناك عمليات أخرى في القريب. وها هو قطاع غزة في عام 2009 لا يزال يقاوم الاحتلال الإسرائيلي بصمود، ويقف عصيا على أقوى آلة حرب في المنطقة، رغم بدائية صواريخه المحلية الصنع القصيرة والمتوسطة المدى.