رغم استمرار الحصار والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ، وما أدى إليه من تدمير كل القطاعات الحياتية وبصورة أفظع القطاع الزراعي، حيث دمر الاحتلال باستمرار المزروعات والأشجار مما أثر على حال المزارع الفلسطيني. رغم ذلك كله فقد نجح مزارعو غزة في إنقاذ موسم القمح ، وإن لم يكن كالأعوام السابقة، لكنه يسد رمق الغزيين المحاصرين. وهذه الحقيقة لا تتعارض مع حقيقة أخرى ، وهي أن موسم القمح لهذا العام في قطاع غزة لحقته خسائر كبيرة مقارنة بالأعوام السابقة . من جهتها أكدت وزارة الزراعة في غزة أن موسم حصاد القمح والشعير في القطاع لهذا العام هو الأسوأ من سنوات طويلة ، موضحة أن قوات الاحتلال قامت بحرق مساحات واسعة مزروعة بالحبوب خاصة في المناطق الحدودية. وقدّر وزير الزراعة في الحكومة المقالة الدكتور محمد الأغا خسائر الزراعة في المناطق الحدودية شرق قطاع غزة خلال شهر مايو المنصرم بفعل العدوان الصهيوني المتواصل بثمانية ملايين دولار أميركي. وأكد أن الزراعة الفلسطينية في فلسطين من أكثر دول العالم تضرراً جراء ممارسات الاحتلال. وأوضح الوزير أن الشعب الفلسطيني يعاني أزمات جمة جراء الحصار، وعلى رأسها أزمة نقص الغذاء وتهديد السلة الغذائية بالزوال، مؤكداً أن ما نسبته 85% من القطاع الزراعي توقف عن العمل بشكل تام، نتيجة لشح الوقود وإغلاق المعابر والتدمير الممنهج للزراعة الفلسطينية. وقال الدكتور إبراهيم القدرة وكيل وزارة الزراعة في غزة أن الحصار وممارسات الاحتلال تسببت بخسارة تتراوح ما بين (60-70%) من عائدات الحبوب وخاصة القمح الذي يُنتج منه كل عام (12ألف) طن ، حيث يزرع في مساحة تقدر ب(40 ألف دونم من الأراضي الزراعية بقطاع غزة. وأضاف أن قوات الاحتلال المتمركزة على الحدود تمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم ، مشيرا إلى أن هذا الأمر أدى إلى تلف كميات كبيرة من القمح الذي سقطت حبوبه على الأرض وتغير لونه ، وأصبح دون فائدة اقتصادية. وأوضح أن نقص الوقود كبد المزارعين خسائر فادحة بسبب عدم «جني» محاصيل الحبوب، وأن نوعية التبن اللازمة للمواشي هذا العام رديئة وقليلة في نفس الوقت. وهناك مساحات كبيرة من أراضي القمح والشعير لا تزال غير محصودة. ويقول المواطن محمود أبو روك واصفا أجواء توزيع القمح : أذكر أننا منذ فترة طويلة لم ندخل على أبنائنا شيئا يكفل إشباعهم ، وجاءت كمية قليلة من قمح هذا العام كالفرج على أبنائنا ، ويكفي أننا تذوقنا أكلة الجريشة .وهى أكلة عريقة أذكر أننا لم نتذوقها من عامين. ووصف أبو روك التعاون بين المزارعين المتضررين قائلا : مددنا يد المساعدة للمزارعين، وقمنا بمعاونتهم في الحصاد ، خاصة أن أكثرهم تضررت أراضيه بالدبابات والجرافات في الاجتياحات ، ورغم ذلك فقد أخرجت الأرض خيرها ولم ينسانا المزارعون من هذا الخير. الحاج أبو خالد أبو دقة من المحظوظين الذين حصدوا كميات لا بأس بها من القمح هذا العام ،رغم أن جزءاً من أرضه أتت عليها الدبابات الإسرائيلية، لكن من حوله من المزارعين معيلي الأسر، لم يعد بأيديهم شيء يفعلوه ليسدوا جوع أبنائهم، هم جميعا بانتظار زملائهم من المزارعين ليمدوهم بكميات من القمح ، الذي قد يسد حاجتهم لفترة ولو وجيزة في ظل الحصار الإسرائيلي المتواصل لقطاع غزة. ويقول المزارع أبو خالد صاحب إحدى الأراضي ، والذي تعود كل عام على توزيع كمية من قمحه : رغم أنهم جرفوا مساحة من الأرض ، إلا أنني أعتبر أحسن حظا من غيري ممن قلبت أرضهم رأسا على عقب ، ومن أجل هذا وزعنا كمية منه على الجيران، وهذا أقل ما نحمد به الله ، مشيرا إلى أن كانت بقايا حصاد القمح من القش والعيدان ، ملاذا للمزارعين وأقاربهم الذين اضطرهم الحصار على الاعتماد على أفران الطين في طهي الطعام منذ شهور، بسبب تقليص الاحتلال لكميات الغاز المنزلي اللازم لقطاع غزة . ويضيف المزارع أبو خالد مقارنا بين حاله قبل الحصار وبعده ، الجميع كان ينظر إلى بقايا أعواد القش ، بانها ذات قيمة حتى تلك العيدان، خاصة أنها ستنفعنا في الطهي على النار بسبب عدم وجود الغاز. لم تكن تلزمني هذه القشور قبل ذلك. ويعيش مواطنو قطاع غزة أزمة وقود خانقة . حيث تقلص قوات الاحتلال كميات الغاز اللازم للقطاع الذي يحتاج بحسب (شركة البترول في غزة) إلى (30) قاطرة غاز، بمعدل (600-700) طن يومياً، ليتخلص من الأزمة الخانقة . وبلغ معدل الفقر في القطاع طبقا لتقارير منظمات حقوق الإنسان ووكالة الغوث إلى (80%) . الأمر الذي أدى إلى وقوع (65%) من الأسر تحت خط الفقر، بحسب استطلاع شركة الشرق الأدنى للاستشارات الأربعاء الماضي. وفى مناطق أخرى من قطاع غزة تجد صورة باهرة لصمود المزارعين ، فهذا هيثم قديح يتحدى الاحتلال الذي جرف مزروعاته عدة مرات ، فيصمم على إعادة زراعتها . ولعل ما جرى لحقل المواطن قديح هو صورة مصغرة للعمليات التدميرية التي دأبت قوات الاحتلال على تنفيذها على امتداد حدود قطاع غزة الشمالية والشرقية ، بهدف خلق منطقة عازلة. لكن قديح وزملاءه المزارعين ، ما زالوا مصرين على فلاحة أراضيهم من جديد . ويقول: بعون الله.. سأظل أزرع في أرضي ولو جرفوها كل مرة ، مضيفاً كل محاولاتهم الإرهابية القائمة على إحراق الأراضي الحدودية وجعلها خالية من مزارعيها ستبوء بالفشل. إن عظم حجم الخسائر لم تفت من عضد المزارعين ، كما يقول المزارع عبد الناصر أبو طعيمة احد الذين جرف الاحتلال أرضه بما فيها من دفيئات ومبان وبرك مائية. ويضيف لقد صبرنا وازددنا ثباتا ورباطا على حدود الوطن. وإننا نعلم أن ما يقوم به اليهود الصهاينة المجرمون يهدف إلى تهجيرنا من أرضنا من خلال تدمير مقومات العيش والحياة . وختم بقوله : بالرغم من كل هذا، فإننا صامدون رغم أنف الاحتلال ، ثابتون متمسكون بأرضنا ومقدساتنا وبيوتنا ومحاصيلنا، فأشجارنا ليست اغلى من وطننا وأرواحنا فداء له، وسنبني ونزرع ونعيش بكرامة بإذن الله رغم انف الاحتلال. إضاءة تفيد إحصاءات رسمية وحقوقية فلسطينية أن قوات الاحتلال الإسرائيلي جرفت خلال الشهور الخمسة الأولى من العام الجاري،أكثر من ثلاثة آلاف دونم من الأراضي المزروعة بالأشجار المثمرةو المحاصيل، التي كانت بمثابة الدخل الرئيسي لأصحابها الذين يعتمدون على الزراعة لكسب لقمة العيش. ومن جانبه، يقول الشيخ كمال النجار رئيس بلدية خزاعة إحدى البلدات المحاذية للشريط الحدودي: إن الاحتلال دمر مناطق كاملة كانت تشكل في يوم من الأيام السلة الغذائية لمحافظة خان يونس ، وتزيد صادراتها على خمسمائة ألف صندوق طماطم ذات جودة عالية إلى جانب منتوجات زراعية أخرى ، ولكنها اليوم أصبحت كالصحراء.