يبدو أن اللقاءات المكثفة التي عقدها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر مع قادة حركة حماس، وعلي رأسهم خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة، قد أتت بثمارها فيما يتعلق بمطالبة كارتر التهدئة مع إسرائيل بالذات، وأغلب الظن أن مكانة كارتر «الأخلاقية» كما أشار خالد مشعل كانت كافية لتستجيب الحركة بجناحيها المُقرر مشعل الزهار، لما سمته «خطة كارتر» أو مبادرته. هذه الاستجابة وصلت إلي الحد الذي أعلن فيه قائد حركة حماس في غزة الدكتور محمود الزهار بأنه لن يعود والوفد المرافق له إلي غزة دون حل مشكلة الحصار، ودون فتح المعابر، وفي المقدمة منها بالطبع معبر رفح. لقد أشار الزهار في تصريحاته إلي أن حماس وافقت علي التهدئة في غزة أولا مقابل رفع الحصار وفتح المعابر، وتحدث بلغة هادئة ومسؤولة عن أن حركته والسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلي مصر والإسرائيليين، قد وافقوا فيما مضي أو توافقوا علي حل لمشكلة المعابر، إلا أن إسرائيل بإصرارها علي ربط فك الحصار بصفقة تبادل الأسري هي من عطل تنفيذ هذا الحل خلال الأسابيع الماضية. لقد تناغمت آراء كارتر مع قادة حماس بشكل واضح بعد اللقاءات التي عقدت فيما بينهما، ففيما أعلن خالد مشعل عن موافقته علي دولة ضمن حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس بسيادة حقيقية بلا أي مستوطنات مع حق العودة كاملا من دون الاعتراف بإسرائيل، مضيفا عرض الهدنة لمدة عشر سنوات كبديل للاعتراف، دافع كارتر من جانبه أيضا عن عقده هذه اللقاءات و التي استمرت لأكثر من سبع ساعات، معتبرا أنه لا يوجد أي غضاضة أو خطأ في ذلك، وإنما الخطأ يكمن في رفض إسرائيل والولايات المتحدة عقد الاجتماعات معهم، مشدداً علي أن سياسة العزل لن تجدي نفعا، خاصة أن حركة حماس أكدت أنها ستقبل بهدنة جزئية في غزة كخطوة أولي، وإذا تم تبادل التهدئة مع الإسرائيليين فمن المتوقع أن هذا سيقود إلي تحرك بشأن هدنة في الضفة الغربية، بما يعني أن عملية التهدئة ستكون علي مرحلتين. بلا شك أن مثل هذه الأخبار تنعش الأمل في نفوس الفلسطينيين، وهم الطرف الأكثر تضررا مما يحدث بعد الإحباطات المتوالية، وإن كانت أخبار إضافية تشير إلي تحول يحتاج إلي الرعاية والتشجيع في خطاب قادة حماس المقررين سياستها من نمط ما قيل علي لسان الزهار نفسه والرئيس كارتر عن أن حماس لن تعطل توصل الرئيس أبومازن إلي حل سياسي مع الإسرائيليين، وأنها ستقبل بنتائج الاستفتاء علي مثل هذا الحل. وبحسب المراقبين فإن حركة حماس في جملة تصرفاتها الأخيرة إنما هي تغير من لغتها السياسية المتشددة، وهذا ما ظهر واضحا بعد لقاء صنعاء وقمة دمشق، إذ يرتبط هذا التغير بأكثر من عامل، منها أن إجراءات الحصار باتت أكثر صرامة، الأمر الذي وضع الحركة في غزة في قفص حديدي حقيقي، ومنها مراهنة الحركة علي أن رهان السلطة علي إنجاز تفاوض مع الإسرائيليين بات ضربا من شبه المستحيل تحقيقه، خاصة أن موقف الحركة المعلن حتي اللحظة اشتراط مشاركة كل الفلسطينيين في الداخل والخارج في الاستفتاء المقترح، وهذا الأمر ربما يكون تعجيزيا من الناحية الإجرائية. يضاف إلي ذلك أنه يعزز من قدرة الحركة علي التأثير فيه إذا ما شمل الفلسطينيين في الخارج، بعد أن تراجع نفوذها وتأثيرها علي الفلسطينيين في الداخل، ولأنه أيضا يضع علي طاولة المفاوضات معضلة حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والذي يجمع عليه الفلسطينيون تقريبا خاصة في الخارج. ومع ذلك فإن هناك نقاط ضعف في التوافق خاصة فيما يتعلق بالتهدئة مقابل رفع الحصار عن غزة أولا، إذ لن يكون من السهل رضوخ إسرائيل لذلك دون تحقيق مآربها كاملة بالإضافة إلي التفاهمات السابقة بشأن التهدئة وأهمها اتفاق مكة والذي ذهب أدراج الرياح، وهذا ما يجعل من نسبة التفاؤل بتحقيق هدنة لالتقاط الأنفاس أمرا بات يحلم به كل فلسطيني ويتمني تحقيقه!