بعد نحو سبع سنوات من التنصل المتعمد من مفاوضات السلام العربية- الإسرائيلية، يبدو أن بوش قد غاص في دبلوماسية الشرق الأوسط بطاقة ''كلينتونية''. ويبدو هذا جليا على الرغم من أن ''بوش'' ومساعديه مازالوا يعبرون عن رفضهم لما ينظرون إليه باعتباره انخراطا قويا وكارثيا من جانب كلينتون في عملية السلام في ،2000 مشددين على أن ''بوش'' لا ينوي التفاوض شخصيا بشأن سلام الدولتين الذي أعلن عنه باعتباره رؤيته. في هذا السياق، قال بوش للزعيم الفلسطيني ''محمود عباس'' ''الولاياتالمتحدة لا يمكنها أن تفرض رؤيتنا''، قبل أن يضيف على نحو يذكر بكلينتون ''ولكننا نستطيع المساعدة على تسهيل (العملية)''. ورغم كل الجلبة الإعلامية التي أثارها اجتماع ''أنابوليس''، إلا أن البيت الأبيض لا يسميه مؤتمر قمة أو أي شيء آخر قد يوحي بتقدم مهم، ذلك أن رؤية بوش طموحة، ولكن مقاربته حذرة، ويعكس هذا الرأي أكثر من مجرد شخصية بوش، كما يمثل صدى لرأي يعتنقه المحافظون في الإدارة، ومعهم بوش على الأرجح، يقول بأن على الولاياتالمتحدة ألا تفرض شروطها على إسرائيل التي تعد أقرب حلفاء أميركا في منطقة مضطربة. ويقول السفير الأميركي السابق في إسرائيل الذي عمل في إدارة كلينتون ''مارتن إينديك'' عن بوش ومساعديه، وعن المقارنة مع الجهود التي بذلها كلينتون في نهاية ولايته نحو السلام: ''إنهم حذرون للغاية''، مضيفا: ''إنهم يرون أن الدفع بالأمور نحو نهايتها ليس فكرة جيدة''. وحتى قبل أن يجتمع الجانبان يوم الثلاثاء كان رأي بعض المنتقدين أن اجتماع ''أنابوليس'' ليس سوى مناسبة لالتقاط الصور، وهو ما شددت ''رايس'' قبل شهر فقط على أنه لن يكون كذلك. غير أن هذا لا يعني بالضرورة بأنه سيكون مناسبة فاشلة لالتقاط الصور؛ ذلك أن مقاربة بوش هي التي أفضت إلى أول مؤتمر دولي حول النزاع العربي- الإسرائيلي منذ مؤتمر مدريد الذي نظمه وزير خارجية والده جيمس بيكر في .1991 ويتفق المسؤولون من جميع الأطراف على أن المغزى الحقيقي ل نابوليس يكمن في ما سيحدث في ما بعد، ومن شبه الأكيد أن ذلك يتوقف على حجم الرأسمال السياسي الذي ترغب إدارة بوش في إنفاقه عندما يصل الجانبان إلى طريق مسدود بخصوص مواضيع ''الوضع النهائي'' الصعبة، مثل مستقبل الحدود والعاصمة واللاجئين الفلسطينيين. وفي هذا الإطار، وعد ''بوش'' خلال مأدبة عشاء رسمية بوزارة الخارجية مساء الاثنين ''بالتزامي الشخصي'' لما أصبح لازمة البيت الأبيض منذ 2002: دولتان إسرائيلية وفلسطينية، تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام. غير أن مساعدي ''بوش'' يشيرون إلى أنه كان أول رئيس أميركي يعلن عن دعمه لإقامة دولة فلسطينية؛ وهو أمر صحيح في الواقع، غير أنهم يتحاشون الإشارة إلى أنه فعل ذلك في الوقت نفسه الذي رفض فيه التحدث مع الزعيم الفلسطيني وقتها ياسر عرفات. ومن الانتقادات التي توجه لبوش كثيرا كونه مال بالسياسة الأميركية بشكل واضح جدا نحو إسرائيل، إلى درجة أنه لم يعد يُنظر إلى الولاياتالمتحدة باعتبارها وسيطا صادقا. حدث ذلك في ،2004 عندما عبر بوش علنا عن دعمه لبعض من المواقف غير المتفاوَض بشأنها لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ''أرييل شارون''، ومن ذلك معارضة شارون لما يعتبره الفلسطينيون حق اللاجئين المشروع الذين هجروا مدنهم وبلداتهم بسبب النزاع في العودة، والواقع أن تطمينات بوش لإسرائيل مازالت قائمة. انتقاد آخر أكثر ترددا يوجَّه لبوش ويتمثل في تخلفه عن المتابعة، فقد أعلن عن رؤيته ولكنه تركها تموت في وقت تفاقم فيه النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويرد مساعدو بوش بغضب على هذه الانتقادات، لافتين إلى أن الرئيس هو من اقترح مؤتمر ''أنابوليس'' في يوليو الماضي؛ كما أن الظروف في إسرائيل والأراضي الفلسطينية قد تغيرت، حيث باتا يتوفران على زعيمين يرغبان في التفاوض -كما صرحت بذلك متحدثة في البيت الأبيض-. وفي الوقت الراهن، يبدو أن بوش بات مقتنعا بأن القضية الفلسطينية هي سبب انعدام ثقة العالم الإسلامي في الولاياتالمتحدة -أو على الأقل بأن من شأن حل نزاع الشرق الأوسط أن يوقف مسيرة حركة ''حماس''- غير أن ذلك قد يشكل، في رأي المحافظين، مقامرة كبرى على اعتبار أن الانخراط في جهود سلام فاشلة يمكن أن يؤدي إلى تشدد أكبر، كما يقولون. وفي هذا الإطار، يقول جون بولتون، الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة في الأممالمتحدة في إدارة بوش العام الماضي قبل أن يصبح واحدا من أبرز منتقديها: ''إذا فشل المؤتمر، فإنه لا يتركك في توازن''، مضيفا ''يمكن أن يضعك في موقف أسوأ''.