خليل العناني* في ابريل من عام 2004 أعطى الرئيس الأميركي جورج بوش ما أطلق عليه حينها "خطاب ضمانات" لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إرئيل شارون، تعهد فيه بعدم تفكيك المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، فضلاً عن إبقاء القدس عاصمة لإسرائيل. وقبل أسبوع من الآن دعا الرئيس بوش إلى عقد مؤتمر دولي للسلام بحلول نوفمبر المقبل، أي قبل عام من انتهاء ولايته الثانية. مشكلة الرئيس بوش أنه لا يزال يمارس هوايته المعتادة في الاستخفاف بعقول الجميع، ويتوهم أن الكل يصدقه، في حين لا يقتنع أحد بقدرته على تحريك الأوضاع في المنطقة في ظل عدم وجود رؤية استراتيجية يمكن التعويل عليها لفك التشابك بين مختلف الملفات الساخنة. لذا لم يكن غريباً أن يقلل توني سنو المتحدث باسم البيت الأبيض من أهمية دعوة الرئيس بوش واعتباره فقط مجرد محاولة لتحريك الأوضاع الجامدة في المنطقة وليس للوصول إلى تسوية نهائية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. لذا فإن السؤال المنطقي الذي يتبادر للذهن على خلفية هذه الدعوة هو: ماذا يمكن للرئيس بوش أن يقدمه من أجل دعم عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ وبالأحرى، إذا كان الرئيس يملك شيئاً فلماذا تأخر حتى الآن؟ واقع الأمر أن ثمة دوافع عديدة لا تخفى على أحد تقف خلف دعوة الرئيس بوش تلك، أولها الرغبة في امتصاص الغضب المتزايد بشأن الوضع الأميركي البائس في العراق، والذي يدفع بالرئيس إلى محاولة توجيه الأنظار بعيداً عن عثراته هناك، وإعطاء جرعة من التفاؤل بتقليل الاحتقان في الشرق الأوسط. ثانيها، رغبة الرئيس بوش في كسب الصراع مع الديمقراطيين وإثبات أن بإمكانه فعل الكثير من أجل حلحلة الأوضاع في المنطقة، وأن مجرد دعوته لمؤتمر للسلام سوف تكون بداية انفراجة لحال التأزم في الشرق الأوسط. ثالثها، أن هذه الدعوة لا تنفصل عن سياق الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين حول الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يسعى الرئيس بوش إلى تأكيد امتلاك الجمهوريين لدفة الأمور في العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. رابعاً محاولة الرئيس بوش لإذكاء الصراع الفلسطيني الداخلي عبر إثبات دعمه للرئيس الفلسطيني محمود عباس من خلال الدعوة لعقد مؤتمر للسلام يشارك فيه هذا الأخير باعتباره ممثلاً للشرعية الفلسطينية. وأخيراً هي محاولة من الرئيس بوش لتبييض وجهه أمام العالم وهو الذي لم يفعل شيئاً على الإطلاق لحل النزاع الأزلي في المنطقة. معضلة الرئيس بوش أن لا أحد يبدو مقتنعاً بدعوته تلك، لا الفلسطينيين ولا الإسرائيليين أنفسهم، ويكفي أن نتابع ما كتبته الصحافة الإسرائيلية خطاب الرئيس بوش الذي وجه فيه دعوته تلك، فتحت عنوان "خطاب الوداع" كتب كبير المعلقين في "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنياع أن من تابع خطاب الرئيس بوش "رأى انكماشه الفظيع"، في إشارة إلى ما وصفه بالتراجع الكبير عن خطابه قبل خمس سنوات عن "رؤية الدولتين" والتوصل إلى تسوية دائمة في غضون ثلاثة أعوام. كما أن بوش كرر النقاط الرئيسة من خطابه المذكور لكن مع فارق واحد: هذه المرة حاذر تحديد جدول زمني". وتابع الكاتب أن خطاب بوش "بدا كعظة في كنيسة مفعمة بالنيات الطيبة لكن بلا مغزى". وختم ان الرئيس بوش "الذي لم يعد رئيساً في الواقع بعد أن استنزفه العراق ولم يعد سوى بطة عرجاء" أدار ظهره للشرق الأوسط، ولم يعد أمام إسرائيل والفلسطينيين من يعتمدون عليه، سوى أنفسهم. فالخلاص لن يأتي من بوش. في حين استبعدت إسرائيل إجراء مفاوضات في المرحلة الراهنة مع الفلسطينيين حول حدود الدولة الفلسطينية في المستقبل موجهة ضربة لآمال الرئيس الفلسطيني محمود عباس وملقية شكوكا حول المحاولة الاميركية الجديدة للتعامل مع هذه القضية. وقد جاء الرد الإسرائيلي بعد يوم واحد من إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش أنه يمكن قريبا بدء "مفاوضات جادة لإقامة دولة فلسطينية. وقد كان الترحيب الحذر بدعوة بوش هو الطابع المميز للموقف العربي الرسمي، ذلك أن ثمة شكوك كثيرة في قدرة الرئيس بوش على إنجاز وعد الدولتين الذي قطعه على نفسه عام 2002 وعاد ليتنصل منه بعد توليه الرئاسة للمرة الثانية، مشيراً إلى إمكانية الانتظار حتى 2009 كي يشاهد الجميع قيام دولة فلسطينية ترى النور.