في إطار المواجهات المتزايدة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يتزعمه الرئيس عمر حسن البشير.اتهم سلفاكير ميارديت زعيم الحركة الشعبية النائب الأول لرئيس السودان الخرطوم بإعادة التسلح والتعبئة من أجل الحرب، وقال إنه يحتفظ بحق الدفاع عن النفس، ودعا أنصاره إلى أن يبقوا متيقظين أمام ما أسماه تعطش الخرطوم للحرب. وكانت الأزمة بين الطرفين قد تفاقمت إثر انسحاب وزراء جنوبيين من حكومة الوحدة الوطنية في الخرطوم الشهر الماضي بعد أن اتهموا الرئيس البشير بالمماطلة في تنفيذ اتفاق السلام الموقع بين الطرفين في نيفاشا بكينيا عام 2005 الذي أنهى حربا أهلية استمرت 20 عاما. وكان الجانبان فشلا فى التوصل الى حل لبعض القضايا المعلقة وهي منطقة ابيي المتنازع عليها وترسيم الحدود والنفط . وزادت الأزمة بين الطرفين أكثر عندما دعا الرئيس السوداني قوات الدفاع الشعبي لفتح المعسكرات وتجميع من سماهم المجاهدين "ليس لإعلان الحرب، لكن واضح أننا لا بد أن نكون مستعدين"، وقال سلفاكير للحشد الملوح بالأعلام إن حزب المؤتمر الوطني الحاكم مصمم على تقويض اتفاق السلام الذي يضع قواعد تقاسم السلطة وعائدات النفط بين الشمال والجنوب. ومن بين النقاط الرئيسية العالقة بين سلفاكير والبشير وضع منطقة أبيي الغنية بالنفط في الحدود بين الشمال والجنوب التي بقي وضعها دون حل في اتفاق السلام. ورفضت الخرطوم في وقت لاحق النتائج التي توصلت إليها لجنة مستقلة بشأن المنطقة. وقال البشير في خطابه السبت إنه لن يتنازل عن بوصة واحدة من الأراضي. ورد عليه سلفاكير بأن رفض قبول توصيات اللجنة المستقلة يصل إلى حد إلغاء اتفاق السلام والدستور الوطني المؤقت للسودان. وكان باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان قد أعتبر فى تصريحات له الى إن حالة تعبئة عامة بدأت في جنوب السودان بعد كلمة البشير، من جهته أكد دينق ألور وهو أحد وزراء الحركة الشعبية في حكومة الوحدة أن الحركة الشعبية ستنسحب تماما من حكومة الوحدة إذا لم يحرز تقدم بحلول التاسع من يناير المقبل. ومع هذه التطورات ووجود اراء لدى بعض السودانيين حول اقتراب السودان من حرب اهلية جديدة نطرح تساؤل حول اتجاه الخلاف السودانى،فهل يمكن أن يسير نحو السلام أم يقترب خطوة خطوة من الحرب ؟ يرى المراقبون أن المؤتمر الوطني أمامه خيارات صعبة جداً، وهى تنحصرفى أمرين هما : إما تقديم تنازلات باهظة التكاليف السياسية مرحلياً للحركة الشعبية واغرائها لمواصلة مسار الشراكة الحالية حتى نهاية الفترة الانتقالية, أو تفويض المؤتمر لقيادته السياسية بالتشدد والكف عن تقديم تنازلات جديدة للحركة الشعبية تعيدها للحكومة وتحمل نتائج ذلك راهناً ومستقبلاً بشجاعة . وبالنسبة للجبهة الشعبية يرى المراقبون أنه بالرغم من أن العودة الى استعمال السلاح لحسم الخلافات أمراً ليس سهلاً، بيد انه غير مستحيل، لا سيما وان الظرف الذاتي متوافر، فالسلاح وان صعب استخدامه إلا انه جاهز والدعم الغربى للجبهة الشعبية موجود،ولذلك سيصبح المتنفس الوحيد والحل الأقرب اذا ما تصاعدت الأزمة هو التبكير بإعلان الإنفصال ، وهو حل لايقل خطورة عن الحرب المسلحة وقد يفضى إليها . بينما يرى بعض المراقبون ألأكثر تفاؤلاً عدم قدرة الحركة الشعبية للعودة إلى مقبل اتفاقية السلام، فلا العالم يقبل ذلك ،ولا ظروف الحركة الشعبية تسمح لها بتلك المخاطرة ، ولذلك فإن الخيارات أمام الجنوب وحكومته قليلة، ولذا ستكون أي مناورة سياسية باهظة التكاليف ولا تحتمل الأخطاء، فالحركة أمامها من الخيارات: -المواصلة في حكومة الوحدة الوطنية مع المؤتمر الوطني، والتحالف معها فى الإنتخابات القادمة . - المواصلة في الحكومة مع محاولة الانقلاب على المؤتمر الوطني في أقرب انتخابات قادمة(2009م)، عبر التحالف مع المعارضة. ويعتبر خيار الإنقضاض على المؤتمر الوطني عبر التحالف مع قوى المعارضة، خيار محفوف بالمخاطر، على الرغم من أنه يجد تشجيعاً من بعض الأطراف ،كما بدا ذلك في التصريح غير المباشر للمبعوث الأمريكي للسلام في السودان (ناتسيوس)، إلا أن البعض يرى أن المؤتمر الوطني هو الحزب السياسي السوداني الوحيد الذي قبل إعطاء الإمتيازات للجنوب فهو الذى منح الجنوب تقرير المصير واستثنائه من أحكام الشريعة، ومن المناهج التعليمية ذات الطابع العربي الإسلامي، وهو الذي سمح بانسحاب الجيش السوداني من الأرض، التي ظل الجيش السوداني يدافع عنها حوالي (50) سنة، و منح الحركة المتمردة 50% من عائدات النفط المنتج في الجنوب، وغيرها من التنازلات التي كان مجرد المزايدة السياسية بها يُعدّ خيانة ، فحزب المؤتمر الوطني بهذه الصفة يصبح الضامن الوحيد للاتفاقية وعدم التراجع عنها، وخاصة أنها لا تلقى قبولاً وسط الشارع السوداني. - العودة للحرب من جديد وترك كل المكاسب والامتيازات التي حصلت عليها، بما فيها حكومة الجنوب والانسحاب للغابة، وهو الخيار الذي يحلو لقيادة الحركة ترديده كلما اشتدت بهم وطأة الأزمة السياسية. والتفكير العاقل يؤكد إنه بالنسبة للحركة الشعبية فإن العودة للحرب غير مجدية بل مستحيلة، فالحركة تتمتع الآن بنفوذ كامل في الجنوب، و هو أمر يجعل العودة للقتال غيرممكن،حيث يحصل جنودها ورجالها على المناصب العالية، والأجور المرتفعة ،والاستقرار الباذخ في جوبا أو الخرطوم، بالإضافة إلى أن إخلاء المدن والعودة للغابة سيدفع بالمليشيات الصديقة للحكومة السودانية أن تتقدم وتملأ الفراغ. وعندها ستجد الحركة الشعبية أنها تخوض حرباً جنوبية جنوبية بين الشلك والنوير ودينكا وقبائل الجنوب الأخرى، وليس ضد الشمال بصورة مباشرة وحاسمة. بالإضافة إلى أن فترة السلام قد فتحت باب التنافس أما م رغبات القبائل الجنوبية، فالشلك يريدون نصيبهم من الكعكة، وكذلك النوير ، وأي غياب للهيكل السياسي من الحياة العامة الجنوبية سيفتح الباب واسعاً أمام القتال الداخلي بين هذه القبائل حول حقوق الأرض والمياه والنفوذ السياسي والاقتصادي، في ذلك الإقليم شديد التنوع بدرجة يصعب التحدث معها عن هوية إقليمية مشتركة. ويعزز ذلك وجود مليشيات عسكرية من قبل في الجنوب لا يزال بعضها ناشطاً حتى الآن ، ويتراوح حجمها من عدة أفراد مسلحين إلى عدة آلاف. وهذه المجموعات وهي المسؤولة عن ارتكاب أفظع الانتهاكات خلال الحرب. ويؤكد المحللون أنه لم يبق أمام الحركة الشعبية إلاّ أن تضع يدها مع يد المؤتمر الوطني، لمصالحها القصوى أولاً، ولمصلحة الشعب السودانى ثانياً، ولمصلحة الوطن وحمايته من الإنهيار والتفكك وهو الأهم بكل المقاييس.. 20/11/2007