الجميع يعلم أن هناك الكثير من عدم المساواة الاقتصادية في جميع أنحاء العالم. ولكن ما على وشك الحدوث فى السنوات المقبلة سيكون أسوأ من ذلك، وهناك بضعة أسباب للشعور بالتشاؤم حول مستقبل الاقتصاد فى العالم على مدى 50 عاما القادمة ، خاصة ما لم يتم إجراء بعض التغييرات الخطيرة في السياسات القائمة . ووفقا لتقرير صدر هذا الشهر عن منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية التى تضمن فى عضويتها كبار و اغنى الدول فى العالم ، سيشهد العالم ثلاث مشاكل بارزة ستحدد ملامحه فى العقود المقبلة و هى : ارتفاع أعمار سكان العالم والتغير المناخي وتراجع النمو في الاقتصادات الناشئة واتساع الفجوة بين الطبقات و هو ما سيؤدى بدوره لأبطاء وتيرة النمو العالمي في العقود الخمسة المقبلة. 1- تزايد تباطؤ النمو فى العالم يشير تقرير منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية انه من المتوقع ان يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي بعد عام 2020، لينخفض من معدل نحو 3.6 في المئة المقدرة للفترة ما بين 2010 و2020الى معدل نحو 2.4 في المئة في الفترة ما بين 2050 إلى 2060. و يرى الكثير من الخبراء و المحللون أن معظم التباطؤ سيأتي من بلدان منظمة التعاون والتنمية، والتي تميل إلى أن تكون أكثر ثراء وتقدما (والتي تشمل الولاياتالمتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، و غيرها من الدول الغنية الاخرى). وهناك الكثير من العوامل التي تسهم في ذلك. في على المدى الأقرب، نجد إن الآثار التي خلفتها الأزمة المالية تواصل ضررها بالاقتصادات لسنوات قادمة، مسببة انخفاض الاستثمار وارتفاع معدلات البطالة. ولكن مدى أبعد من ذلك، سوف تسحب شيخوخة السكان النمو الاقتصادي الى مستوى ادنى له . ففي حين يتوقع أن ينمو سكان دول منظمة OECD بنسبة 17 في المئة خلال هذه الفترة ، يتوقع أن ينخفض عدد السكان في سن العمل بنسبة 7 في المئة. . و عالميا من المتوقع ان تكون مساهمة العمالة في الناتج المحلي الإجمالي منخفضة ، بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يتباطأ ايضا التحصيل العلمى ، وهذا يعني بالفعل نموا أبطأ فى القدرة البشرية التى لديها المهارات و القادرة على الاستفادة من التحصيل العلمي و بالتالى سيتاثر سوق العمل عالميا . 2- التغير المناخى يلعب دورا رئيسيا في خفض النمو تقرير منظمة OECD يشير الى عامل رئيسى سيؤثر على النمو الاقتصادى العالمى و هو التغير المناخي ، ما لم تتخذ خطوات فعالة لتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، حيث يتوقع أن يقتطع التغير المناخي 6 بالمئة من إجمالي الناتج القومي لدول جنوب وجنوب شرق أسيا، و1.5 بالمئة عالميا. ويرى التقرير انه ومن المفارقات، ان يكون تغير المناخ الناجم عن النمو الاقتصادي عبئا و عاملا معوقا للاقتصاد العالمي لعقود قادمة.. حيث يتوقع الخبراء انه بحلول عام 2060، سوف تطول اثار تغير المناخ الناتج المحلي الإجمالي في أي مكان على الكرة الارضية بنسبة تتراوح ما بين 0.6 في المئة إلى ما يقرب من 2.5 في المئة، و ستظهر إلى حد بعيد الآثار الشديدة للتغير المناخى فى منطقة جنوب شرق آسيا. فبحلول عام 2060، يمكن أن يتسبب تغير المناخ فى خفض الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بنسبة أكثر من 5 في المئة.. وسوف يتحقق هذا إلى حد كبير لسببين: الضرر الذى سيسببه التغير المناخى على صناعة الزراعة ، ومدى ارتفاع منسوب مياه البحر الذى سيقلص الأراضي المتاحة في العالم . 3- استمرار تزايد عدم المساواة فى العالم من ناحية أخرى، تقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن اتساع الهوة بين الدخول في الاقتصادات المتقدمة سيمثل تحديا أمام النمو الاقتصادي أيضا، مشيرة إلى أنه في حال لم تتغير السياسات القائمة، ستشهد الدول الأعضاء بالمنظمة زيادة هائلة في التفاوت بين الدخول قبل خصم الضرائب بواقع 30 بالمائة في 2060، مما سيعيق النمو في حال قلصت تلك الاختلالات من الفرص الاقتصادية المتاحة أمام الأفراد ذوي الدخول المنخفضة. . و يشير التقرير الى ان أكثر عدم المساواة فى المرحلة المقبلة سوف يحدث بين الطبقة المتوسطة والعليا من توزيع الدخل. وهذا سوف يؤثر بالتالى على الاستقطاب الوظيف ، حيث سيتم استبدال التكنولوجيا بالوظائف التي تتطلب مهارات متوسطة، لذا فإن عدد العمال فى الوظائف العليا والمنخفضة الدخل سينمو في حين ستصاب الوظائف الوسطى بالركود . وفي الوقت الذي تتسع فيه الفجوة بين الدخول في الدول المتقدمة، يتوقع أن تنكمش هذه الفجوة فى دول الاقتصادات الناشئة، مما سيؤدي على الأرجح إلى تراجع الهجرة الاقتصادية ، الأمر الذي سيعزز الضغوط القائمة بالفعل على النمو فى دول منظمة OECD نتيجة ارتفاع نسبة المسنين بين سكان البلدان المتقدمة. والمشكلة هي أن بعض السياسات التي تشجعها منظمة التعاون والتنمية لتعزيز النمو الاقتصادي العالمي، مثل تحرير التجارة، يمكن أن عاملا مساعدا على جعل التفاوت و عدم المساواة فى وضع اسوء ، لذا سيصبح هناك حاجة إلى المزيد من سياسات إعادة التوزيع .. وأخيرا يخلص التقرير إلى أن مثل هذه التحولات تعني أن الاقتصاد العالمي سيضطر إلى أن يعقد آماله على التحديث والاستثمار في المهارات ليدفع النمو بعد خمسين عاما من الآن.