عزيزى القارئ سوف ينهمر عليك خلال الأيام القادمة سيل من البرامج والمقالات حول نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة واحتمالات فوز أى من مرشحيها كلينتون أم ترامب، وإذا كنت مهتما بهذا الأمر وفى نفس الوقت تريد أن تستريح من هذا السيرك الإعلامى، فدعنى ألخص لك نتائج هذه الانتخابات فى جملتين، الأولى أن هيلارى كلينتون ستفوز بهذه الانتخابات، والثانية أن ترامب- أو بالأحرى الظاهرة التى يعبر عنها- لن تنتهى، بل ستستمر كجزء من المشهد السياسى الأمريكى، ودعنى أفسر ذلك. سوف تفوز هيلارى ليس بالضرورة بسبب خبرتها السياسية أو تفوقها النسبى فى المناظرات الثلاث مع منافسها، ولكن لأسباب هيكلية أخرى أهمها: 1-الخريطة الانتخابة الأمريكية، والتى تجعل المنافسة الحقيقية بين كلينتون وترامب منحصرة فى عدد محدود من الولايات، بمعنى أن غالبية الولاياتالأمريكية معروفة مسبقا ميولها الانتخابية، فهناك ولايات يصوت – تاريخيا- غالبية سكانها للمرشح الديمقراطى، ويشير لها الإعلام بالولايات الزرقاء، وتقع معظمها فى الساحل الغربى والشمالى الشرقى (مثل كاليفورنيا ونيويورك) وهناك ولايات تصوت تاريخيا للمرشح الجمهورى، تسمى الولايات الحمراء، وتتركز فى الجنوب والوسط (مثل تكساس وكارولينا الجنوبية). ويتبقى عدد محدود من الولايات يطلق عليها الولايات «المتأرجحة» بمعنى أنه لا يوجد نمط تاريخى ثابت لتصويتها، فمرة تصوت للمرشح الديمقراطى وأخرى للجمهورى. هذه الولايات هى التى تحسم انتخابات الرئاسة، وهى محل التنافس الحقيقى، لذا يطلق عليها أرض المعركة Battle Ground. تفوق كلينتون فى الولايات المتأرجحة يزداد يوما بعد يوم، مما سيساعدها على حسم المعركة لصالحها. 2- تملك كلينتون «ماكينة انتخابية» أكثر قوة وكفاءة وانتشارا من ماكينة ترامب. والانتخابات ليست مجرد مناظرات وإعلانات تليفزيونية، بل تحتاج «تنظيم» على الأرض يحفز الناخبين للخروج يوم التصويت. ولايكفى هنا أن يملك المرشح ملايين المعجبين أو المتابعين على الفيس بوك أو تويتر، فلا يوجد أى ضمان لخروج هؤلاء من عالمهم الافتراضى إلى المشاركة الواقعية فى التصويت. والفوز فى الانتخابات أصبح يحتاج خليطا من أدوات التواصل الحديثة والآليات التقليدية للتواصل المباشر مع الناخب. هنا أيضا تملك هيلارى ميزة على ترامب، ليس فقط لأنها ورثت الماكينة الناجحة التى أسسها أوباما، ولكن أيضا لأن الحزب الديمقراطى يقف صفا واحدا وراءها، فى حين ينقسم الحزب الجمهورى حول مرشحه ترامب، وستركز ماكينته على انتخابات الكونجرس التى تجرى فى نفس الوقت وليس انتخابات الرئاسة، وفشل ترامب فى تكوين تنظيم على الأرض يساعده على الفوز. 3- سوف تلعب «الخريطة السكانية» الجديدة للولايات المتحدة دورا فى فوز كلينتون. هذه الخريطة تتسم بالتناقص التدريجى فى عدد السكان البيض وتزايد أعداد الأقليات وتأثير ذلك على أعداد الناخبين. ووفقا لفيلب سيب الأستاذ بجامعة جنوب كاليفورنيا، فى عام 2000 بلغت نسبة المصوتين البيض 78% انخفضت عام 2016 إلى 69%، وسينضم إلى قوائم الناخبين الجدد هذا العام 11 مليون صوت جديد، ثلثا هذه الأصوات من الأقليات (السود- اللاتينو- الآسيويين). حظوظ هيلارى كلينتون هى الأكبر فى الحصول على أصوات هذه الأقليات لأسباب تاريخية، وأخرى تتعلق بهجوم ترامب على المهاجرين الجدد. إذن الأرجح فوز كلينتون. ولكن لماذا ستستمر ظاهرة ترامب كجزء من المشهد السياسى الأمريكى، حتى لوغاب هو عنه؟ لأسباب كثيرة، أهمها أن ترامب أصبح يعبر عن قطاعات واسعة من المجتمع الأمريكى تحتج على أوضاعها الاقتصادية المتدهورة، وترى أن السياسيين والمؤسسات التقليدية لاتعبر عنها، وأن الانفتاح فى سياسة الهجرة، واتفاقيات التجارة الحرة، والتدخل الخارجى والإنفاق على الحلفاء أضر بهم وبالولاياتالمتحدة. هذا التيار السياسى سوف يستمر ويقوى فى السنوات القادمة، كما يحدث فى أوروبا. نحن إذن بصدد خريطة سياسية جديدة للولايات المتحدة، ستوضح الانتخابات القادمة مدى تبلورها.
