حسمت الجولة الاولي من الانتخابات التشريعية في فرنسا شكل الجمعية الوطنية الجديد في الدورة التشريعية المقبلة بعد أن حصل حزب' الاتحاد من اجل حركة شعبية' وهو حزب الرئيس نيكولا ساركوزي علي نسبة43% من الأصوات وهو ما لم يحدث من قبل في الجولة الاولي من أية انتخابات تشريعية فرنسية منذ عام1958. ودفعت تلك النتيجة الي توقع أن يحصل الحزب الرئاسي علي ما بين405 و445 مقعدا من إجمالي577 مقعدا برلمانيا ليبدأ تشكيل وجه فرنسا الجديد الذي خرج من تلك النتائج. فما معني هذا الفوز؟ * أولا: أن التغيير الدستوري الذي خفض عدد سنوات الفترة الرئاسية من سبع الي خمس سنوات بحيث تتزامن الانتخابات الرئاسية مع التشريعية لا يفصل بينهما إلا شهر واحد أعطي استمرارية للإيقاع الرئاسي فتحولت التشريعية الي جولة ثالثة للانتخابات الرئاسية وتحولت الجمعية الوطنية الي قاعة لتسجيل القوانين كما قال المحللون وليس مكانا يضم معارضة قوية يمكنها إثارة الجدل والمناقشات حول مشاريع القوانين التي تطرحها الحكومة ومراقبة عمل الوزراء ومساءلتهم حول سياساتهم. * ثانيا: أدت الانتخابات الي القضاء علي الأحزاب المتطرفة الصغيرة مثل الجبهة الوطنية( اليمين) التي حصلت علي نصف النسبة التي حصلت عليها في عام2002 لتصل في الجولة الاولي الي64% وبذلك تفقد الجبهة الوطنية مكانتها السياسية في الساحة وتصبح كيانا سياسيا مهمشا. ومن المتوقع ألا يمثلها إلا نائب واحد في الجمعية الجديدة وهي مارين لوبن ابنة رئيس الجبهة الوطنية. كما حصل اليسار المتطرف مثل الحزب الشيوعي علي5% والأحزاب اليسارية الأخري علي3% وهي أسوأ نتائج يحصلان عليها في الجولة الاولي من الانتخابات التشريعية. كما جاءت نتائج الانتخابات الأخيرة لتقضي علي الوسط الذي انقسم أنصاره ما بين اليمين واليسار فانضمت الغالبية العظمي من نوابه وأنصاره الي الحزب الحاكم اليميني بينما تجري مشاورات بين الحزب الاشتراكي وحزب الوسط الجديد' حركة ديمقراطية' لضم صفوفهما في الجولة الثانية التي ستجري يوم الأحد المقبل. وبذلك يذوب الوسط بين الكتلتين الأساسيتين في الحياة السياسية الفرنسية. وفي نفس الوقت قد يعني هذا التطور الجديد أن الأحزاب السياسية الفرنسية التي ظلت الي الآن تمثل كل الأطياف السياسية من أقصي اليمين الي أقصي اليسار في طريقها الي أن تتبلور في كتلتين أساسيتين كتلة تمثل اليسار بكل توجهاته وأخري تمثل اليمين مثل الوضع بالنسبة لبريطانيا والولايات المتحدة. ثالثا: تشير نتائج التصويت التي جرت يوم الأحد الماضي الي انخفاض نسبة التصويت الي حد لم تشهده الجولة الاولي في أي انتخابات تشريعية أخري جرت في ظل الجمهورية الخامسة حيث وصلت نسبة الممتنعين الي ما يقرب من40% من الناخبين أي أربعة ناخبين من بين كل عشرة. وأثارت تلك النتيجة دهشة المحللين بعد أن سجل الناخبون أعلي نسبة تصويت لهم في الرئاسية قبل نحو شهر واحد. ويرجع المحللون هذا الامتناع لسببين: الأول هو سأم الناخبين من التوجه الي صناديق الاقتراع أربع مرات خلال فترة وجيزة وهو ما سوف يتكرر كل خمس سنوات. والثاني هو توقع النتائج واعتبار فوز الاتحاد من اجل حركة شعبية وأنصاره من الوسط واليمين بمثابة أمر واقع. وسوف يستمر الإيقاع الرئاسي ليضم الجولة الثانية رغم محاولة الحزب الاشتراكي لخفض الضرر الي أدني حد. فقد دعي فرانسوا هولاند رئيس الحزب اليسار والجمهوريين الي التجمع معا في الجولة الثانية حتي يكونوا' سدا منيعا أمام يمين يملك السلطة المطلقة في الجمعية الوطنية' ودعا في كلمة وجهها الي الناخبين: الي' ضرورة الحفاظ علي التوازن وعلي معني التقدم' والعمل من اجل ألا يسيطر أي حزب وحده علي الجمعية الوطنية. ولكن ذلك لن يغير النتيجة المتوقعة بل يشير من ناحية الي أن اليسار كله خاصة الحزب الاشتراكي يمر في أزمة هوية عنيفة ولن يخرج منها إلا إذا قام بإعادة تقييم كامل وشامل لمؤسساته ومن ناحية أخري يشير الي أن الحياة السياسية الفرنسية بصدد تغييرها من صورة حكمتها طوال السنوات الماضية ومنذ عام1958 الي اخري جديدة قد تكون انعكاسا لصورة الجيل الجديد الذي شب في ظل العولمة.