ونحن نفتح أولى صفحات العام.. هل تخشى على الفن والثقافة فى 2013؟ إنه السؤال الذى تكرر كثيرا وسوف يتردد أكثر كلما أوغلنا فى العام الجديد. المؤشر الأساسى الذى يحدد الإجابة ليس هو أين تتجه ما دأبنا على وصفها بالقوة الناعمة ولكن أين تتجه مشاعر الناس.. انتهى الزمن الذى تمتلك فيه الدولة كل أدوات الإنتاج الثقافى.. أعلم أن فى يدها بعضا منها، وأعرف أيضا أن امتلاكها لآليات التشريع سوف يمنحها شيئا من القوة، أكرر، شيئا منها لا كلها، ولكن فى نهاية الأمر نحن بصدد سلعة ينبغى أن تجد من يتناولها، لا يمكن أن يتعاطى الناس مع فن موجه من الدولة سيظهر على الفور فن موازٍ له.. الزمن الذى تحدد فيه الدول المواصفات القياسية حطمته تماما الميديا الحديثة.. نعم الحاكم دائما ما يعتقد أنه قادر على أن يملك كل شىء حتى أذواق الناس.
ثورة 52 على سبيل المثال بعد أسبوعين فقط على قيامها أصدر محمد نجيب أول رئيس مصرى بيانا يعتب فيه على السينما، لأنها دائما ما تقدم فى أفلامها الرقص وطالبها بالدعاية للثورة.. فهل استجاب السينمائيون ومنعوا الرقص مثلا.. كل ما حدث وقتها وما سوف يحدث الآن هو أن البعض سيذهب إلى حيث تريد السلطة، ولكن حتى هؤلاء لن يستطيعوا الابتعاد عما يريده الناس، لأن الفن مثل رغيف الخبز إذا لم يجد من يُقبل عليه سيصاب بالعفن.
الجانب الآخر من تلك المعادلة هم المبدعون أين يتوجهون.. سوف يحرك قسط وافر منهم مؤشر المصلحة. هذه هى أول أسلحة الاختراق التى تمتلكها الدولة، معنا نلقى نظرة على جناحى النظام المباشرين فى السيطرة على الإبداع، وهما وزيرا الثقافة والإعلام، ولا أتصور بالمناسبة أنهما سوف يطاح بهما فى التغيير الذى من المنتظر إعلانه بعد ساعات إذا لم يكن قد أعلن قبل ساعات.
صلاح عبد المقصود نموذج للوزير المباشر فى توجهه الإخوانى، وجد بين العاملين من يدعمه، عندما قال عصام الأمير رئيس التليفزيون، وعلى عبد الرحمن رئيس القنوات المتخصصة السابقين لا لن نواصل الكذبة، توافد على مكتب عبد المقصود عشرات كل منهم لا يعنيه شىء سوى أن يحصل على الكرسى، وهم يؤكدون له أنهم سيقدمون له شاشة إخوانية كما ينبغى أن تكون الأخونة. عدد كبير من المذيعين سوف تنبت لهم لحى فى الذقن، أو على العقل فهى فرصتهم للوجود على الشاشة.
لو توجهت إلى الجناح الآخر للنظام وأعنى به صابر عرب وزير الثقافة الذى تم حصاره بعدد من المثقفين فى حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، عندما أعلن بعضهم رفض مصافحته، بل هددوا بفضحه لو صعد على خشبة المسرح، فلقد اعتذر مهندس الديكور أنسى أبو سيف عن قبول التكريم من يد وزير يصدر أوامره بطبع مسودة الدستور للترويج لحكومة الإخوان، وهو نفس ما فعله الشاعر والكاتب مدحت العدل عضو لجنة التحكيم، عندما اعتذر عن عدم حضور ختام مهرجان القاهرة. الذى حدث بالضبط هو أن الوزير المذعور من أن يتحول الموقف إلى فضيحة علنية اتفق مع وزير الإعلام أن لا ينقل الحفل على الهواء، كما أنه لم يحضر الحفل، وبعد ذلك أشاع بعد أحداث الاتحادية أنه تقدم باستقالته من الوزارة ليضرب شقلباظ لدى المثقفين يعلن من خلاله أنه يؤيدهم، وعندما أذاع بعض الفضائيات خبر استقالته ضرب شقلباظ عكسى لدى النظام، وقال إن خبر الاستقالة لا أساس له من الصحة.. ثم عقد قبل نحو أسبوع اجتماعا فى شقلباظ ثالث مع عدد من المثقفين ووجد كالعادة من يذهب إليه مهرولا وشاكرا.
إنها اللعبة التى يجيدها البعض وفى كل الأزمنة، تخيلوا المشهد لو قاطع الأغلبية من المثقفين صابر وأعلنوا تضامنهم مع زملائهم رافضين مصافحته، ولو عبد المقصود حوصر من المخرجين والمذيعين والعاملين فى ماسبيرو ولم يتهافتوا للظهور على الشاشة مرددين إخوان إخوان ولآخر مدى إخوان إخوان.. ولكن مع الأسف تكتشف أن عددا منهم يبيع الميه فى حارة السقايين.. ورغم ذلك فأنا متفائل، تقوللى كيف؟ أقول لك لأن العصمة فى يد الناس لا عرب ولا عبد المقصود ولا هؤلاء البائعون يستطيع أن يفرض شيئا على أذواق الناس!!