البعض منا يتمنى أحيانًا أن يرتدى فى لحظة طاقية الإخفاء ويُقدم على فعل أشياء لا يقوى على إعلانها فى الواقع، وكأنه يستعيد المقالب الشهيرة فى الفيلم الذى أخرجه نيازى مصطفى مرتين، الأولى بطولة محمد الكحلاوى باسم «طاقية الإخفاء» والثانية الأكثر شهرة «سر طاقية الإخفاء» بطولة عبد المنعم إبراهيم. الطاقية ارتداها عبد المنعم وارتكب بعدها العديد من الجرائم التى يعاقب عليها القانون، ولكن كان بمنأى عن يد العدالة فلا أحد يراه. ومن سوء حظ مصر أن تُبتلى فى لحظة واحدة بوزيرَى ثقافة وإعلام، كل منهما إنجازه قائم على ما يُقدم عليه من حماقات، متصورًا أنه سوف يختفى بارتداء تلك الطاقية.. الوزيران بحكم حساسية الموقع يضطر كل منهما إلى مخاطبة الرأى العام بين الحين والآخر، وفى يوم واحد قرأت حوارين. واحدا لوزير الثقافة والآخر للإعلام. كان السؤال لوزير الثقافة محمد صابر عرب عن الجائزة المشبوهة التى حصل عليها مؤخرًا أعنى بها جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية.. كان مرشحًا للجائزة وهو بدرجة نائب وزير فى وزارة الثقافة، وعندما تم تعيينه وزيرًا للثقافة فى عهد الجنزورى لم يعتذر عن الجائزة وكانت إجابته أنه وافق عليها، لأنها حكومة إنقاذ وطنى.. بالتأكيد نحيى الوزير على مشاعره الوطنية المتأججة، حيث أكد موظفو مكتبه أنهم كثيرًا ما استمعوا إليه أكثر من مرة وهو يغنى بصوت مسموع «يا حبيتى يا مصر» و«مصر هى أمى» و«يا أغلى اسم فى الوجود يا مصر»، وجميل بالطبع أن نغنى فى حب مصر، ولكن الأجمل أن لا نسطو على جوائز مصر. الوزير لم يستطع أن يُقدم إجابة عن سؤال لماذا لم يعلن انسحابه من الترشح للجائزة وهو وزير؟ ولماذا قبل إعلان الجوائز بأيام قلائل فقط استقال من الوزارة حتى لا يقول أحد إنه حصل على الجائزة وهو وزير؟! صابر أعلن ذلك فى كل الصحف عندما تقدم باستقالته من الوزارة، ولكنه الآن يتخبط قائلا إنه لم يستقل من الوزارة بسبب انتظاره للجائزة، ولكن لأنه قرر أن يكتفى بهذا القدر من التضحية لمصر. الوزير كان يعتقد عندما استقال قبل إعلان الجوائز أنه يرتدى طاقية الإخفاء فلا أحد يراه، ولكنه فوجئ بأن الطاقية لا تعمل، والكل يراه وليس أمامه للخروج من المأزق سوى أن يعلن تنازله عن الجائزة. أظن أن الوزير كان يرتكن مع الأسف الشديد إلى ثقته المطلقة فى أن الوسط الثقافى مشغول بصراعاته الداخلية، وبعضهم مشغول بضرورة أن تظل علاقته وطيدة بالوزير ليضمن طبع كتاب أو عضوية لجنة، ولهذا حدث صمت رهيب وغريب ومريب على تلك الفعلة الشائنة لوزير الثقافة، ولكن الذى يُخرج تلك القضية إلى البؤرة بين الحين والآخر هو أن الوزير مضطر إلى أن يدافع عن نفسه عندما يواجه بسؤال حتى لو كان على استحياء، ولكنه عندما يشرع فى تقديم إجابة يجد نفسه وقد ازداد تورطًا.. الوزير الثانى صلاح عبد المقصود الذى قال بمجرد توليه وزارة الإعلام «خلعت عباءة الإخوان على باب الوزارة» سألوه عن الجزء الثانى من الجماعة قال إنه لن يعرضه، وأضاف أن الجزء الأول كان ضعيفا إبداعيا، فاكتشفنا بهذه الإجابة أنه لم يخلع عباءة الإخوان، ولكنه خلع عباءة الإعلام. هل يستطع الوزير الحكم على الإبداع؟ الرجل بالتأكيد مثل قطاع وافر من الإخوان يرى المسلسل وهو معصوب العينين.. عندما عُرض «الجماعة» فى رمضان قبل عامين كتبت أن هذه هى المرة الأولى التى تعترف فيها الدولة بالجماعة. كانت الدولة تنعتهم بالمحظورة ومن المآخذ التى واجهت وحيد حامد أن الناس تعاطفت مع حسن البنا، لأن وحيد كان يكتب وهو مكبل بإحساس أن هناك اتهاما مسبقا موجها إليه بأنه يعادى الإخوان، كانت لى ملاحظات على المسلسل ذكرتها فى حينها، ولكن من المؤكد أنه تميز بحالة إبداعية خاصة من خلال المخرج محمد يسن. ما معنى أن يبدأ وزير إعلام عهده بهذا التصريح.. سأمنع عرض الجزء الثانى؟ كان ينبغى عليه أن يبدأ عهده بعرض الجزء الأول الذى بثته مؤخرًا أكثر من قناة عربية. الوزيران يلعبان على المكشوف، معتقدين أنهما يرتديان طاقية الإخفاء، وهنا تُصبح الكارثة مضاعفة!