تنويه: كتب أصل هذا المقال في 9 فبراير 2011، أي قبل يومين من تنحي الطاغية المخلوع حين كان السيد عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية المخول بسلطات الرئيس. في لحظة صدق مع إعلامية أمريكية تحاشى السيد نائب الرئيس (السابق) من أن يعلن أنه شخصيا يؤمن الديمقراطية فقال: "بالطبع، كل شخص يؤمن بالديمقراطية، ولكن متى نطبقها؟" وأجاب على سؤاله بالقول: "حينما يتعلم مجتمعنا ثقافة الديمقراطية".!! وتثير زلة لسان السيد النائب الأسئلة التالية: أين ومتى تعرَّف السيد النائب على الديمقراطية؟ أفي الكلية الحربية؟ أو ياترى في جهاز المخابرات العسكرية، أو لربما على وجه التحديد من خلال الاتصال بحكام إسرائيل والعمل على إخضاع المقاومة الفلسطينية وتقديم الخدمات لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بما في ذلك تعذيب المعتقلين في الحرب الظالمة على الإرهاب؟ وهل سيعلِّم نظام السيد اللواء الديمقراطية للشعب حتى يكتسب ثقافتها، وكيف وفاقد الشيء لا يعطيه؟ وكيف سيحكم أن الشعب قد أصبح مستعدا للديمقراطية كي يمنحه سيادته إياها؟ أزعم أن السيد النائب هو من بحاجة لتلقي دروس في الديمقراطية، فالتقليد العسكري مضاد، إن لم يكن معاديا عداوة التحريم لأسس الديمقراطية. وقد كانت لعنة بلدان كثيرة حكمها العسكر هي حرمانها من الديمقراطية. وتدل جميع الشواهد المتراكمة من تصريحات وتصرفات السيد النائب أنه شخصيا من أبناء هذا التقليد العسكري الراسخ في معاداة الديمقراطية. ولعل القارئ يتفق معي بأن المؤسسة العسكرية تحكم مصر فعلا منذ العام 1952 وإن ارتدى رأس السلطة الزي المدني، وفي أن طابع الحكم العسكري المغلف بستار مدني كان دوما تسلطيا وأن نتاج الحكم هذا جاء وبالا على الديمقراطية وعلى أحوال عامة الناس، خاصة في عهد الجمهورية الثالثة التي عشنا منذ اغتيال رأس الحكم في الجمهورية الثانية، ببزته العسكرية بالغة الأناقة، حتى لا ننسى. ولم يكن رأس الحكم التسلطي السابق في مصر يكِّل من إبراز انتمائه العسكري، واحتمائه بالمؤسسة، في جميع المناسبات الرسمية، انظر مثلا في أين كان يصلّي العيد، ومع من، وأي احتفالات تخرج يحضر دوما! وازداد باطراد تغلغل المؤسسة العسكرية، ورجالاتها السابقين، في شتى مناحى الحياة المدنية وفي الاقتصاد، في القطاعين العام والخاص. ولتكريس سطوة المؤسسة العسكرية، فعندما تأكد للرئيس السابق أن يوم تخليه قد حان، عين له نائبا ورئيس وزارة من العسكريين. غير أن اطراد سطوة الحكم العسكري أبعد ما يكون عن حاجة مصر لإقامة مجتمع الحرية والعدل، درءا لمفاسد الحكم التسلطي. أول ما يُفسد الحكم العسكري هو مناخ الحرية. فالعسكر، لأسباب تتعلق بأسلوب تعليمهم وتدريبهم وعملهم المنتظم، يُجبلون على الإنصياع والطاعة ولا يتصورون إلا تنظيما هرميا جامدا يقوم على الأمر والنهي من الأعلى والتسليم المطلق من الأدني. وهذه، كما لا يخفي على حصيف، قيم وأنماط سلوك لاتتوافق مع التنظيم الديمقراطي الذي يضمن حق الاختلاف واحترام الرأي الآخر سبيلا لضمان المصلحة العامة. ولذا فليس من غرابة أن يتصرف الحكم العسكري وكأن الحرية والديمقراطية بِدع من فعل الشيطان. ولكننا، بالإضافة، ومع تدني نظام الحكم التسلطي في مصر تحت الطاغية المخلوع إلى أحط درك في الفساد والاستبداد خاصة قرب نهاياته، شهدنا ترديا بالغا في الإقلال من مكانة المؤسسة العسكرية. فشهدنا صيادا مصريا يقتل برصاص عسكر مصر في منطقة القناة، ومحاكمات عسكرية تعقد لصيادين مصريين مدنيين في المنطقة ذاتها وتصدر عليهم أحكاما، وإن ألغيت بعد أن قابلها أهل المنطقة بثورة شعبية، وشهدنا قوات عسكرية تستغل لإرهاب سكان جزيرة القرصاية لمصلحة رجال أعمال متنفذين في الحكم، وأجهزة عسكرية تحول دون وصول قوافل الإغاثة التي جهزتها المنظمات الأهلية المصرية لدعم صمود الأهل في غزة المحاصرة. هذا بينما الجيش العظيم يداه مغلولتان عن مهمته الأصلية باتفاقات سياسية مشينة. وكأن الحكم التسلطي يوكل بعض الأعمال القذرة التي يظن أن قوى الأمن الداخلي قد لا تقدر على تنفيذها إلى المؤسسة العسكرية التي يكن لها الشعب الكثير من الاحترام والهيبة لدورها الوطني في مراحل سابقة. لكن المأساة الحقة هنا أن مثل هذه المهام تنتقص من هيبة المؤسسة العسكرية ومن تقدير الناس لها. ومع ذلك نرى جهات عديدة، منها الإدارة الأمريكية ولجان "الحكماء" تلح على الإسراع بنقل السلطة للسيد النائب من قبلِ إذعان النظام على إصلاحات جوهرية مثل إنهاء حالة الطوارئ المزمنة وتعديل الدستور لضمان الحرية والديمقراطية ما يعني أن يتحول أي رئيس مؤقت، أوقادم، إلى مستبد غشوم على الفور بسبب السلطات المطلقة التي يضمنها الدستور الحالي لرأس الدولة. لقد كان حريا بالسيد النائب ان يتعظ من مآل رئيس الوزارة السابق الذي زل لسانه بهفوة مماثلة وانتهى في عداد الإمعات المنسيين. ولعل السيد النائب يتلقي دروسا في الديمقراطية العفوية للمناضلين من أجل الحرية من شباب ثورة الفل.