ما حدث في تونس هو بجميع المقاييس –وإن اختلف الكثير حول تفسيره- حدث تاريخي. الشعب يلعب دوراً ليس بالهين في الإطاحة بواحد من أعتى النظم السلطوية في منطقتنا العربية. وليس محلاً للجدل هنا ما إذا كان الشعب التونسي ليقوم بالدور ذاته لولا تدخل، أو حتى مساعدة الجيش. فما فعله أهل الخضراء هو خطوة يحلم بها العرب وكل من يعيش في ظل الأنظمة الإستبدادية. وكغيري من الناس أتابع آخر التطورات والأنباء عما يحدث في تونس بشغف وتلهف. أقرأ الجرائد، أتصفح المواقع، أتنقل بين المحطات الإخبارية الإقليمية والعالمية، متجاهلاً بطبيعة الحال القنوات المصرية المحلية الأرضية و-للأسف- الفضائية. كما انخرط في عدة مناقشات، الإفتراضي منها والحقيقي، مع أصدقائي وزملائي ومعارفي، ولن أبالغ إذا قلت وسائقي التاكسي. وبصورة لا إرادية أصابني الموضوع بنوع من الهوس، فأصبحت أفكر في التجربية التونسية وكيفية، عفواً أقصد إمكانية، تطبيقها على الواقع المصري. اختبأت تحت اللحاف طالباً حمايته لي من موجة البرد التي تشهدها القاهرة في الأيام القليلة الماضية، وخلدت إلى النوم استعداداً إلى يوم عمل جديد. رأيت أحد المواطنين ويدعى عبد السميع وهو يركض كمن يحاول اللحاق بقطار مسرع. كان عبد السميع يتجه نحو مبنى وزارة الداخلية ورائحة الجاز تفوح منه بحيث تغطي على رائحة عوادم السيارات بميدان لاظوغلي، حيث مقر الوزارة. وقف عبد السميع أمام المبنى بعدة مترات واتجه نحوه ثلاثة أمناء شرطة من ذوي الكروش المعهودة. فترك ورقة بجواره ثم أشعل النار في ملابسه فالتهمته في لحظات وسط محاولات فاشلة من أفراد الأمن لإخمادها. بعد أن وافت عبد السميع المنية، انحنى أحد الضباط لالتقاط الورقة التي تركها عبد السميع، فتح طياتها ليقرأ "بو عزيزي مش أجدع مني" وبسرعة البرق انتشرت تلك الكلمات بسيطة الأسلوب عميقة المغزى إلى وسائل الإعلام المحلية والعالمية. وقفت أتأمل الموقف مردداً لنفسي: "الثورة على الأبواب...الثورة حتقوم". الله...حاجة جميلة جداً. لم أعرف ماذا أفعل، أو إلى أين علي أن أتجه. فانتظرت في مكاني، الذي لم أكن أعلمه، ظناً مني بأن "أكيد الثورة صوتها عالي" فما على إلا انتظار ضجيج الشعب لأتبعه. انتظرت دون فائدة لساعات. أبحث عن الشعب في كل مكان ولكن لم أعثر على مواطن واحد. سألت نفسي – ما هو مفيش حد أسأله- ماذا يحدث؟ أين الشعب؟ أين زحام القاهرة المعتاد؟ هل تم فرض حظر التجول؟ هل تجمهر الشعب على الطريق الصحراوي؟ طب محدش قاللي ليه؟ أريد إجابة قاطعة! قررت بسرعة أن أقوم بخطوة دون انتظار. هتفت بعبارات منددة ضد ما يحدث في مصر من قبيل "يسقط يسقط....وارحل ارحل....وكخ كخ..." ولكن دون جدوى فأنا أسير وحدي. لقد فقدت الأمل في العثور حتى على الشعب وبدأت أبحث يائساً عن الأمن! وجدت باباً غريباً وكأنه يرجوني أن أعبر من خلاله. فتحت الباب بحذر شديد....وإذ بقوة غريبة تسحبني للداخل وتغلق الباب خلفي. حجرة شديدة الاتساع بحيث لا أرى أبعادها، شديدة البياض وتذكرني بالحجرة التي دخلها "نيو" في فيلم "ماتريكس" (بعيداً عن ان الفيلم اسمه بالعربي "المتمرد") لم أجد شيئاً في هذه الحجرة سوى جهاز كومبيوتر ففتحته ووجدتني أدخل بطريقة تلقائية على موقع فيسبوك. فهو المكان الذي سأجد فيه الناس حتى ولو كان هذا يوم القيامة، ما حدش يقوللي حرام تقول كده والنبي. فتحت الصفحة الرئيسية فلم أجد إلا صديقاً واحداً...فركت عيني بشكل مبالغ فيه ثم نظرت مجدداً. لم يكن صديقاً واحداً، بل كان كل عدد أصدقائي –بالتمام والكمال- ولكني لم أتعرف عليهم لأنهم جميعاً وضعوا صورة واحدة مكتوب عليها "كلنا عبد السميع المحروق". قمت مفزوعاً من فراشي لم أدرك إذا كان ذلك حلماً أم علماً....انطلقت نحو الكمبيوتر المستقر على الكومودينو وفتحت صفحة الفيسبوك فارتاح قلبي....لم يكن هذا علماً بل كان كابوساً....فما زال علم تونس يسيطر على صفحتي. بقى لي سؤال واحد: هو عبد السميع جراله حاجة؟