للوهلة الأولي سوف يخالف هذا الكتاب توقعاتك، فإذا كنت قد تخيلت من اسم الكتاب أنه سيتحدث علي لسان مطلقة تجيد البكاء و«الولولة» علي حبيب قد تركها بعد زواج ملتهب، أو مطلقة تحكي قصتها من بداية لقائها الأول السعيد بالمأذون للقائها الثاني التعيس به، أو مطلقة ترسل الصواعق علي رأس الرجال الذين ينفثون النار من أنوفهم بعد أن مرت بتجربة مريرة مع أحدهم.. كل هذه التوقعات لن تشفي غليلك وأنت تقرأ كتاب «نعم أنا مطلقة» للكاتبة «نرمين البحطيطي» والصادر حديثا عن دار دوِّن. فالكتاب لا يؤرِّخ لمرحلة من مراحل عمر الكاتبة صاحبة التجربة، وليس تنفيثا عن واقع مرير معاش، بل إنه بمثابة العصارة التي استخلصتها الكاتبة من تجربتها، بإبداعها، بآلامها، بنضوجها، بسقطاتها، بنصائحها لأبنائها.. ومثلما يجمع الشاعر صوره الجميلة وتركيباته البديعة وجمله المبتكرة ليصنع لنا نصا جميلا، جمعت الكاتبة خيوط تجربتها لتصنع «كوكتيلاً» مفيدا لكل من مرت مثلها أو ستمر بتجربة الطلاق. المختلف في هذه التجربة عما سواها أن صاحبتها واجهت وضعها الجديد ولم تعبأ بنظرات المجتمع التي لا ترحم، ولم تهتم بالمعاملة الدونية التي ربما تلاقيها كل من مرت بتجربة الطلاق لا لشيء إلا لأنها أرادت أن تختار طريقاً ممهداً يريحها من عناء تجربتها الأليمة، وأرادت أن تعيش في سلام نفسيّ بعد اختيار خاطئ، ولهذا كانت تتمَّة عنوان الكتاب أو المدوّنة التي أُخذ منها الكتاب «نعم أنا مطلقة ولن أخجل».. فالمهم ليس اجتياز التجربة، وإنما القدرة علي مواجهة تبعاتها والوقوف بصلابة أمام ما تواجهه نتيجة هذا الاختيار. وكما قلنا فإن الكتاب يحتوي علي كل المشاعر التي مرت بالكاتبة أثناء وبعد تجربة الطلاق.. فالكتاب يحتوي علي قصص قصيرة وعلي خواطر وعلي قصص حياتية واقعية وعلي نصائح لأولادها وخطابات مباشرة إليهم وعلي بعض النقاشات والأسئلة التي تحتاج إلي أجوبة خاصة بنظرة المجتمع إليها، وهكذا أخرجت «نرمين البحطيطي» ما في جعبتها خلال هذه المرحلة لتتخلص من تجربتها في الحياة وعلي الورق أيضا. في الفصل الأول «قصص من حيوات لم تر النور».. في أسلوب جميل يمتاز بلغته السليمة الجزلة وسرد الفصحي المطعَّم بعاميّة الحوار، نجد العديد من القصص القصيرة التي تتمحور أحداثها دائما حول العلاقة بين الرجل والمرأة.. بين الحبيب والمحبوبة، أو بين الزوج والزوجة، أو بين الخائن والمخدوعة.. وعادة ما تكون النهايات بعد صراعات مريرة بين أبطال القصص، ويبدو أن التجربة التي مرت بها الكاتبة قد ألقت بظلالها علي أحداث كل القصص التي كتبتها، فحتي قصة الحب الوحيدة التي حجزت مقعدها علي استحياء بين القصص، أتت بعد خداع كبير، ولكن ما يشفع لهذه النهايات أنها عادة ما تنتهي ببدايات مشرقة لحياة جديدة، وكأنها أيضا انعكاس لحياة الكاتبة التي انتهت تجربتها الماضية لتبدأ صفحة جديدة بتحديات ومواجهات أكبر وضحكة صافية ومتفائلة للحياة. وفي الفصل الثاني «يوميات أنثي مستوحدة» تبدأ الكاتبة في سرد بعض الأفكار، ومناقشة بعض المواقف التي قد مرَّت بها، وطرح ما استخلصته من هذه التجربة.. تقول مثلا في الحديث عن علاقة الزوج والزوجة بعد الطلاق: «وبعد سنوات من التنقل بين محاكم الأحوال الشخصية تارة لحل أزماتي ما بعد الطلاق، وتارة مع صديقات لي، ما زلت أؤكد أن كل ما يفعله الرجل كي يدمر حياة زوجته بعد انفصالهما ويمنعها من الارتباط بسواه أو تأخيره، وكل ما تفعله المرأة في نفس السياق، إنما هي محاولات لاستعادة حياة مفقودة، هي نوع من الحب، ولكنه حب مميت قاس، يفتقر إلي أبسط أسس الأمن والرحمة التي دعا الله سبحانه وتعالي إليها.. محاولات لاستعادة ذكريات انتهت، وفتح أبواب أغلقت، وكان الأولي بكليهما الاستمرار في حياتهما دون ألم للطرف الآخر، كان الأولي بهما الحمد لله علي تلك الحياة التي صارت، والتفكير فقط في البدايات الجديدة بآمال من التوفيق كليهما للآخر». وسنجد فيما سبق حيادا افتقدناه في معالجة الأمور، فكما أن الرجل ليس كل رجل يريد أن يدمر حياة من تركها، فإن المرأة كذلك تريد أن تبقي في حياته هي المهيمنة المسيطرة علي مجريات حياته، ولكن الكاتبة تتوصل إلي أن هذا ليس بدافع الانتقام والحقد، وإنما بدافع مد جذور ينبغي أن تقطع، ليبدأ كل منهما حياته من جديد. أما الفصل الثالث والأخير تحت عنوان «تجليات أنثوية»، وفيه تتجلي عاطفة الأنثي ورومانسيتها عبر نداءات إلي أبنائها الذين هم الثمرة الحلوة الوحيدة التي قطفتها من شجرة زواجها المنتهي، تحدثهم عما مر بها من معاناة دون تجريح ولا تلميح، حتي ابنتها الصغيرة تعتذر لها في نداء لن ترسله لها ولن تسمح لها بقراءته عن قسوتها معها في بعض الأحيان، إنها مشاعر الأنثي الوحيدة تتفجر في هذا الفصل سواء كانت مشاعر الأم أو مشاعر الصديقة أو مشاعر العاملة.