محامٍ ووكيل نيابة وبينهما مظلوم قلت لصديقي المحامي: وما ذنبنا نحن في موضوع إضراب المحامين هذا؟ لماذا تعطلون مصالحنا وتضربون وكأن الحكاية ناقصة هذه العطلة؟ ثم ألا تتفق معي أنكم «نزلتم علي مفيش» وأن الموضوع «اتحل كما يريد رجال النيابة»؟ وكأنني نكأت جرحاً لدي صديقي، وكأنه هو الآخر كان ينتظر من ينكشه. قال المحامي: ما حدث موقف كان يجب أن يتخذ.. الناس كان يجب أن تعلم ما نحن فيه وما نستطيع فعله. بانت علي ملامحي علامات عدم الرضا فأكمل علي الفور: «كل الناس تنظر إلي وكيل النيابة علي أنه فلان بيه.. بينما المحامي هو الأستاذ فلان الموجود في كل مكان.. هل تعلم أن المحامي ليست له حصانة بينما وكيل النيابة له حصانة هو والهيئة القضائية بأكملها؟.. هل تعلم أن وكيل النيابة هذا الذي أنا مجبر علي أن أخاطبه بلقب بك من الممكن أن يكون زميلي في الكلية ومن الممكن أن يكون تقديري أعلي منه في الأساس لكنه دخل النيابة لظروف استثنائية». بدأت أهتم قليلاً فأكمل: «أبناء المستشارين الذين يتخرجون في كلية الحقوق يعينون في النيابة وش.. ومن لا يعين فاعلم أن بين والده وبين واحد من الكبار مشاكل كبيرة أو أن هناك تربيطات سياسية معينة حالت دون تعيين ابنه كوكيل نيابة». ظللت صامتاً فأكمل «بعض الوظائف في بلدك يدخلها الناس بالواسطة أو بالرشوة. طبعاً هناك أكفاء نالوها بمنتهي الاحترام والشرف لكن نسبتهم ضئيلة جداً وتكاد لا تذكر إلي جانب الآخرين.. عندك مثلاً قطاع البترول لا يعين أحداً إلا بتأشيرة الوزير أو بضغط من عضو مجلس شعب أو بكفاءة استثنائية أو برشوة.. رشوة عيني عينك.. من يأخذها؟!.. الله أعلم.. لكن من يملك التعيين بالتأكيد يأخذ جزءاً منها فابحث عنهم بمعرفتك.. النيابة مثلها مثل هذه الوظائف.. هناك من يعينون فيها بكفاءتهم أو بالواسطة أو بالرشوة.. أنا شخصياً أعرف زملاء لي عينوا لأن أسرتهم وفرت لهم 150 ألف جنيه، وهو المبلغ المعتمد والشهير الذي ستسمعه هنا في الإسكندرية». كان يتكلم بمرارة وكان من الصعب أن أوقفه وهو يستطرد: «أقول لك علي شيء بسيط.. المحامي يكون مطلوباً منه أن يكون موجوداً في دائرته من التاسعة صباحاً بينما أغلب وكلاء النيابة والمستشارين لا يبدأون قبل الحادية عشرة، وعلي أبوابهم يقف حرس يتعامل مع المحامي وكأنه نكرة أو طالب إحسان فحين يسأل المحامي عن الباشا يقول له الحارس.. الباشا مش فاضي.. طيب ماذا يفعل الباشا؟.. الباشا يتحدث في الهاتف.. الباشا يتناول إفطاره.. الباشا يرغي مع زميله الباشا.. والمحامون ينتظرون الفرج من عند الباشا.. أساساً أساساً.. الباشا عندما يصل كيف نعرف أنه وصل؟» تطلعت إليه بتساؤل فأكمل «نعرف ذلك من هذا العامل الذي يدخل دافعاً كل من حوله عن طريقه سواء كان محامياً أو موكلاً أو حتي أمين شرطة أو ضابطاً وهو يصرخ : وسع طريق وسع طريق للباشا. ويدخل الباشا بخطوات واسعة ببذلته الأنيقة التي حصل عليها بخصوم معتمدة من أكبر المحلات، ونظارته الشمسية الثمينة التي ربما أهديت له من أحدهم ليمشي غير عابئ بالآخرين ويصعد مباشرة في المصعد الذي يكون منتظراً سيادته والذي لا يسمح للمحامي بالصعود فيه لأنه يخص الباشاوات وكلاء النيابة». كنت أستمع إليه مشدوهاً، ويبدو أنه استحسن ذلك فراح يكمل بمنتهي الحماس: «طيب أقول لك علي حاجة.. عدد كبير من السيارات التي يركبونها أنت تعلم أنها سيارات فخمة ولم نسمع أو نري واحداً منهم مثلاً عنده سيارة 128، لا أقصد أنهم سارقينها لا سمح الله أو أنهم مرتشون.. أنا لا أدخل في النيات ولا أستطيع أن أتهم الناس بالباطل لكن لوكلاء النيابة امتيازات خاصة عند معارض وتوكيلات السيارات سواء في الأسعار أو في تخفيض الفائدة أو في مد فترة التقسيط، لكن كل هذا طبيعي، ما يمكنك اعتباره غير طبيعي هو عدد من السيارات الفخمة والفارغة التي يتم التحفظ عليها في ضبطيات قضائية ومن ثم إعادة بيعها لوكلاء النيابة بثمن بخس، كما أن هناك قضايا معينة تنتهي بأن يسأل وكيل النيابة المتهم في محضر رسمي هل توافق علي التبرع بسيارتك والتنازل عنها للهيئة القضائية ليرد المتهم بالإيجاب، وهكذا تري سيارة بي إم دابليو سعرها 400 ألف جنيه مثلاً تباع بأقل من 70 ألف جنيه، وطبق هذا علي باقي الضبطيات، وكل شيء قانوني يا أستاذ». كان سيستطرد إلا أنني رجوته أن يتوقف لأن موعد قطار وهمي قد يفوتني كما فاتني العديد من القطارات الوهمية، وفاتَه هو الآخر.