لم تشهد نقابة المحامين مثل هذا الإضراب الذي تشهده هذه الأيام, فقد كان في الماضي لا يتجاوز اليوم أو بضع ساعات قليلة, جاء الإضراب ليضر بمصالح المتهمين والمحبوسين بل أيضا بالمحامين الذين يتولون الدفاع عنهم. إذن لماذا وصل الحال في العلاقة بين قطبي العدالة إلي هذا التوتر؟ والذي أدي إلي الإضراب ومن ثم تعطل القضايا والعدالة, حيث ادي إلي تأجيل الدعاوي والفصل فيها, خاصة في القضايا التي تشترط حضور محام للجلسات. فتظل تؤجل الجلسات إلي حين انتهاء الإضراب, ويظل المحبوس احتياطيا في حبسه مما يؤثر علي حريته, وهو عكس هدف النقابة التي تحافظ وتدافع عن الحريات. وبدلا من محاولة الوصول للعدالة الناجزة نجد أن العدالة البطيئة هي البديل.. بل هي الظلم بعينه لمواطن لا ناقة له ولا جمل في هذه المشكلة!! في البداية يقول رجائي عطية المحامي: لقد سبق لنقابة المحامين في عصرها الذهبي أن قررت الإضراب في مناسبات مختلفة لأسباب متعددة يتصل بعضها بحقوق المحامين ولم يتجاوز أي إضراب من هذه الإضرابات يوما واحدا بل كان في بعض الاحيان لساعتين أو ثلاث ولم يمتد قط لعدة أيام, ناهيك عن الأسابيع والشهور, ومع ذلك كان القائمون علي نقابة المحامين في ذلك الزمن الجميل لأنهم كانوا محامين يعرفون واجبات رسالة المحاماة ينصون في التوجيهات الصادرة بالإضراب علي استثناء نوعين من القضايا النوع الأول قضايا المحبوسين حتي لا يحرم المتهم المحبوس من دفاع محامين للإفراج عنه والنوع الثاني ما يسمي القضايا المدنية المستعجلة. وأنني أعلن أنني في هذه الفترة مع الإضراب كمبدأ, إلا أنني صادفتني قضايا أترافع فيها عن محبوس إحتياطيا فقد فحضرت وأديت واجبي. توجيهات مجهلة ويستطرد قائلا أدعو مجلس نقابة المحامين الذي أصدر توجيهات مجهلة وإضرابا مجهلا وترك لكل منطقة أو محكمة أو نقابة فرعية الاجتهاد الذي قد يصيب أو يخطيء الرجوع للمحامين وفهم رسالة المحاماة, وأن يتضمن التوجيه إستثناء قضايا المحبوسين والقضايا المستعجلة. القامات العالية والحل من وجهة نظري أن يتعين علي مجلس النقابة أن يسلم بأن هناك في صفوف المحاماة أعلاما وشيوخا ورموزا عليه أن يستعين بهم وبحكمتهم في إدارة هذه الأزمة للخروج من هذا المستنقع وليست دعوتي لنفسي بل يجب أن يختاروا القامات العالية من المحامين وأضرب مثلا لهؤلاء الأساتذة أحمد كمال أبو المجد, وأحمد كمال عبد العزيز, ومحمد حسن المهدي النقيب الأسبق للجيزة, ود. يحيي الجمل, وغيرهم من كبار المحامين يتولوا هذا الملف وإدارة حوار مع المجلس الأعلي للقضاء دون غيره, لاحتواء هذه الأزمة والخروج منها, بما يحفظ للقضاء المصري هيبته وكرامته واحترامه, ويحفظ للمحاماة كينونتها وإحترامها وقدرتها علي أداء رسالتها. أما د. فوزية عبد الستار رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب سابقا وأستاذ القانون الجنائي بحقوق القاهرة فتري أن حل المشكلة لن يأتي إلا بالاسلوب الودي والتوفيق الذي يقتضي إلتقاء أكثر من مرة بين القيادات لدي كل من الطرفين بحيث يتم إقناعهم بأن مصلحة الوطن هي المضارة بالدرجة الأولي, لأن الموقف مؤسف للغاية, لأنه أدي إلي توقف العدالة فكل من الفئتين غاية في الأهمية ولكل منهم دور بارز ومهم في المجتمع, ولكن هاتين الفئتين متوقفة عن العمل مما يضر بالصالح العام. بما أن الوضع كذلك ومازالت المشكلة قائمة إذن لن تحل تلقائيا وان كان قد حدث تدخل علي مستوي رفيع فيمكن التدخل علي مستوي أعلي ولا يترك الموضوع هكذا, ولابد من إيجاد حل يكفل الاحترام والتوقير الكافي لكل من الفئتين ونعترف بأن كل المواطنين يكنون لهم هذا الشعور, فهما جناحا العدالة, دور كل منهما في غاية الأهمية, حيث يسعي كلاهما دائما لإظهار الحق وإعطاء كل ذي حق حقه, لذا أرجو أن تنتهي المشكلة في أقرب وقت ممكن ويرجأ إلي كل السبل التي مازالت مفتوحة حتي لا تطول استمرار هذه المشكلة القائمة. الكل خاسر د. جابر جاد نصار أستاذ القانون بكلية الحقوق جامعة القاهرة والمحامي بالنقض والإدارية العليا يري أن هذه الأزمة غلب عليها الإنفعال الذي بدوره يولد الخطأ, وأن لهذه الأزمة أسبابا أخري غير الأسباب المباشرة لها, فلا يمكن أن تتحول مشكلة بين محام ووكيل نيابة إلي إختلاف بين مؤسستي القضاء والمحاماة, لتصبح أزمة شهدت انتهاك الكثير من المحرمات أهمها التلاسن غير المقبول والتقول علي مؤسسات فاعلة في المجتمع مثل القضاء ونقابة المحامين أن هذه الأزمة يجب أن تحل بالقانون والمخطيء يتحمل نتيجة خطئه, وأن يحكم فيها العقل لأنها تضر بمرفق العدالة أبلغ الضرر, وذلك أن القضاء والمحاماة جسد واحد يجب أن يكون متعافيا لكي يؤدي دوره في المجتمع وهو العدل بين الناس, فلا يستطيع أحدهما أن يقيم العدالة وحده دون الآخر, ولا يجب أن تعطل مصالح المواطنين الممثلة في قضاياهم, فمثلا يصعب علي النفس أن يكون هناك متهم بريء خلف القضبان والمحامي يقول إنه مضرب عن العمل ويطالب بتأجيل القضية شهرا آخر, ففي رقبة من حبس المتهم البريء في هذه الحالة؟ لذلك يجب أن نثق في القضاء المصري, وأن المؤسسة القضائية مستقلة ولها احترامها وأن تجري النيابة شئونها في الاتهامات التي وجهها المحاميان المتهمان إلي عضو النيابة ويجب أن تسعي نقابة المحامين إلي التهدئة وأن تدرس وتعي دورها الصحيح في تحسين دور العمل للمحامين حتي يستطيعوا إنجاز عملهم بسهولة لأن هناك كثيرا من الأمور تثير الاحتقان, فلا يعقل أن تعقد الجلسات في مواعيد التحقيقات التي تجريها النيابة فلا يصح أن يحضر المحامي والمتهم في الموعد المحدد في الصباح ولا يبدأ التحقيق إلا بعد العصر, فكل ظروف العمل هذه النقابة لتحسينها وان تسعي وزارة العدل بالإيجاد مكان لائق داخل المحاكم مخصص للمحامين حيث الأماكن المخصصة لهم الآن يصعب علي النفس أن تقول أنها غير آدمية, كما يجب أن تكون ضمانات للمحامين في درجات القيد الأولي مثل تحت التدريب, وأن يتم تنظيم عملهم في المكاتب الكبري ووضع حد أدني للأجور, مما يكفل لهم معاملة كريمة سواء من الشرطة أو النيابات وغيرها بالإتفاق مع وزارة العدل والنيابة العامة. دون سند قانوني أحمد سعد أستاذ القانون المدني جامعة القاهرة والمحامي بالنقض يشير إلي أنه يجب أن نبحث لماذا وصل الحال في العلاقة بين قطبي العدالة إلي هذا التوتر الذي أدي إلي الإضراب ومن ثم تعطل القضايا والعدالة, لابد أن هناك خطأ ما أو تعسفا صدر من السيد وكيل النيابة أدي بالمحامي إلي كسر الحاجز النفسي والاحترام المتبادل بينهما ولست أدافع عن المحامي ضد النيابة بقدر أن هذا الحادث فرصة لدراسة العلاقة بينهما, ثم جاءت اللطمة الكبري ومع إفتراض أن المحامين تجاوزوا حدودهم وأن الجميع سواسية أمام القانون: المحامي المخطيء يعاقب شأنه شأن أي مواطن إلا أن هيبة المحامي وهيبة السلطة القضائية لا تتجزأ, ولكن القضاء أصدر حكما في جلسة واحدة بحبسهما خمس سنوات دون سماع وجهة نظر المتهمين أو دفاعهما رغم أن الدفاع أصر في هذه الجلسة الوحيدة علي أجل للإطلاع ولم يترافع, وألف باء القانون يكفل لأي متهم حق الدفاع. خصم وحكم ويقول أحمد قنديل حجاج المحامي بالنقض إن النيابة العامة هي الأمينة علي المجتمع والأمينة علي الدعوي العمومية وكان يتعين علي النيابة العامة أن تتريث في التحقيقات بأن تنتدب قاضيا للتحقيق مع المحامي ورئيس النيابة العامة, ويتم سؤال المحامين ورئيس النيابة وهذا لم يحدث, بل أن النيابة أصبحت خصما وحكما في الدعوي والاتهامات المثارة حاليا, ولا شك أن الوضع الآن يؤثر بتعطيل كثير من القضايا فهناك اتفاق من جموع المحامين علي عدم الحضور مما ترتب عليه تأجيل الجلسات وبالتالي يعطل مصالح المتقاضين للإطالة في الفصل أمام القاضي لشهور طويلة كما أن إحجام المحامين عن رفع الدعاوي فهذا يعطل خزانة الدولة, والمواطن مضرور من العدالة البطيئة وعدم حجز الدعاوي للحكم, فمثلا في قضايا الجنح والأحوال الشخصية من شروط المرافعة أنه لابد من حضور محام وكذلك في جلسات الجنايات يترتب عليها أن المحبوسين حبسا احتياطيا يتأجل وهذا تعطيل لمصالح الناس. وأخيرا لا يمكن ترك هذه الأزمة تستمر لأكثر من هذا بين جناحي العدالة بل يجب حلها فورا حفاظا علي هيبة القضاء المصري واحتراما للمحاماة ورسالتها والإسراع في إنجاز دعاوي المواطنين.