أمس الأول، وبينما اهتمام الدنيا كلها مشغول ومستقطب نحو تداعيات الجريمة الدموية البشعة التي ارتكبها العدو الصهيوني في عرض البحر ضد مئات من شرفاء العالم وأحراره الذين كانوا علي متن سفن أسطول «الحرية لغزة»، بثت وكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية خبراً نسب لمواطنين مصريين خلعت عليهم الوكالة وصف «الناخبين»، أنهم صحوا من نومهم في هذا اليوم الرائع المشرق بشمس من جهنم الحمراء ولبسوا هدومهم وأثمالهم بسرعة ثم نزلوا إلي الشوارع مهرولين صوب لجان الاقتراع لكي يدلوا بأصواتهم في انتخابات ذلك الشيء الخطير جداً قوي خالص المدعو «مجلس الشوري» الموقر!! أما من أفشي سر الانتخابات المذكورة وأبلغ أمرها لهؤلاء المواطنين بالذات(الذين لم تسمهم الوكالة ولم تحدد هويتهم ولا أين موطنهم بالضبط) فقد أكد الخبر أن من فعل ذلك هو الرئيس حسني مبارك شخصياً، إذ جاء في العنوان والمتن ما معناه، أن المتهمين بالتصويت والذهاب إلي اللجان الانتخابية اعترفوا في التحقيقات بارتكابهم هذه الفعلة «تلبية لدعوة وجهها الرئيس مبارك (لهم) بالمشاركة الفعالة في العملية السياسية». غير أن الخبر عينه لأسباب «سياسية» لها علاقة شريفة ب«العملية» أمسك وسكت تماما عن ذكر اعترافات ناخبين آخرين أقروا فيها بأنهم هم الذين أطلقوا الرصاص الحي علي أنفسهم أمام لجان الاقتراع، ليس بهدف الانتحار والخلاص النهائي من «الحياة الديمقراطية السليمة» السوداء التي يكابدونها حالياً، بل فقط لمجرد رمي البلاء الأزرق علي الحكومة والزج بها في غياهب السجن ظلماً وزوراً وعدواناً بتهمة محاولة قتل وتعوير الناخبين لمنعهم من تلبية «دعوة الرئيس» الكريمة!! أقول قولي هذا وأنا لا أجد سبباً واحداً يجعلني أشكك في صدق ومعقولية خبر وكالة أنباء الشرق الأوسط آنف الذكر، ولا ذاك الخبر الثاني الذي لم تبثه وكالتنا وإنما بثته وكالات أنباء أجنبية وتضمن تصريحات أدلي بها «إسحق ليفانون» سفير العدو لدي الست الحكومة وصف فيها رد فعل هذه الست تجاه جريمة أسطول الحرية بأنه «جاء معتدلاً» بسبب ما اعتبره «تفهماً من المسئولين المصريين للاستفزاز المتعمد من جانب المتضامنين والنشطاء» العزل الذين كانوا علي متن سفن الأسطول، منوهاً إلي أن علاقات كيانه الصهيوني بحكومتنا «علاقات جيدة علي أعلي المستويات»!! طبعاً من حق سفير المجرمين أن يقرأ رد فعل «أعلي المستويات» عندنا علي هذا النحو بعد أن قرأ صيغة البيان الصادر عن مؤسسة الرئاسة المصرية، ذلك الذي لم يجد شيئاً يدينه في جريمة القرصنة المروعة التي ارتكبتها آلة العدو الحربية في المياه الدولية بحق مدنيين مسالمين سوي أن هذه الآلة استخدمت مع هؤلاء «قوة مفرطة»، وهو تعبير يفهم منه أنها لو كانت استخدمت قوة إجرامية أقل «إفراطاً» شوية ربما اختلف الأمر وما كان هناك داع لأي إدانة، بل لعل الواجب كان ساعتها سيفرض علينا وعلي رئاستنا إصدار بيان عكسي يرحب ويشيد ويبتهج جداً بتلك القوة الصهيونية «قليلة الإفراط».. علي وزن «قليلة الأدب»!!