يحاول البعض أن يجد تعريفاً جامعاً مانعاً للسينما الإيرانية باعتبارها مجرد سينما محجبة، وكم يظلم هذا التعريف تلك السينما لأنها في الحقيقة سينما ثرية بالأفكار سواءً ارتدت البطلات الحجاب أم خلعنه، شاهدت في «كان» فيلماً لعباس كيروستامي المخرج الإيراني الشهير 70 عاماً واسم الفيلم نسخة أصلية إنتاج فرنسي، ونحن بصدد مخرج يقدم أفكاره بعيداً عن القيود الشكلية التي تفرضها الرقابة الإيرانية وتظل تردي فيه كل ملامح السينما الإيرانية التي قدمها كيروستامي، كانت الفرصة مهيأة أمام كيروستامي لتقديم مشاهد جنسية في فيلمه الفرنسي، وإن كانت هناك ضرورة في العمل الفني؛ لأنه يقدم فيلمه لجمهور آخر ومن خلال شركة إنتاج لا يمكن أن ترضي بفرض شروط أخري لا يفرضها الواقع والجمهور، وهو الهدف الأول للفيلم الذي لن يرضي بأي قيود من هذا القبيل. وبطلة الفيلم جولييت بينوتس لا ترتدي الحجاب وليس هناك ما يمنع من أن تقيم علاقة جنسية داخل أحداث الفيلم مع النجم الذي شاركها البطولة وليام شيمل إلا أن المخرج رأي فنياً أن هذا يتناقض مع العمل الفني.. فكرة الفيلم كما روت بينوتس حكاها لها كيروستامي أثناء زيارة لها في طهران. الفكرة قائمة علي الوهم الذي يصل إلي الحقيقة.. حقيقة أن يعيش الإنسان قصة مختلقة هو الذي ينسج أحداثها فيعتقد من فرط المعاينة أنها حدثت بالفعل، قالت بينوتس إن كيروستامي في البداية أكد لها أنه كان هو البطل الحقيقي وبعد أن صدقته أكد لها مرة أخري أن كل ما ذكره لم يكن له أساس من الصحة، وكان تفسير جولييت بينوتس أن كيروستامي يريد أن يختبر معها إلي أي مدي هي صدقت أيضاً تلك الأحداث، وقرر أن يلاعبها بنفس قانون اللعبة الدرامية التي وضعها في فيلمه. تؤدي بينوتس دور امرأة فرنسية الأصل لديها جاليري تعرض فيه اللوحات والتماثيل المقلدة تلتقي مع كاتب بريطاني بإحدي المدن الجنوبية الإيطالية.. الكاتب لديه بضع ساعات قليلة علي موعد الطائرة التي ستعود به إلي بريطانيا، وتبدأ شرارة الحب في الكنيسة التي يزورها الكاتب بصحبة صاحبة الجاليري. تجيب بينوتس لمن يسألها عنه إنه زوجها وأنهما تزوجا قبل 15 عاماً.. وتكبر كرة الثلج ويزداد حجم الكذبة وتخبر أصحاب فندق بجوار الكنيسة أنهما أمضيا شهر العسل في هذا الفندق وتطلب منهم أن تصعد إلي الغرفة التي شهدت شهر العسل المزعوم وتمسك بالوسادة، وتقول له إن رائحته لاتزال تعيش فيها، ويبدأ هو أيضاً في الاقتناع بأن ما ترويه بينوتس هو الحقيقة وتقترب الساعة من موعد مغادرة الطائرة وضرورة ذهابه ونستمع إلي صوت دقات جرس الكنيسة الذي يعلو وتنتهي الأحداث بصوت الأجراس، بينما السؤال القائم: هل سيتحول الوهم إلي حقيقة وهل ما ذكرناه كان بالفعل وهماً؟.. تلك هي النسخة الأصلية التي أرادها كيروستامي، حيث إن بها كل مواصفات الأصل فلماذا لا نستبدلها ونتعامل معها باعتبارها هي الأصل؟ هذا هو السؤال المطروح داخل الفيلم. أداء ممتع لجيولييت بينوتس التي صارت هي أيقونة السينما الفرنسية حتي إنهم اختارو صورتها لتصبح بوستر هذه الدورة في مهرجان «كان»، لم يكن بطل الفيلم لديه القدرة علي مجاراة بينوتس المليئة بالتلقائية والسحر وظل المخرج عباس كيروستامي محتفظاً بنفس ملامحه الإبداعية وهي التأمل لكل ما يدور في الحياة وأفلامه مثل «طعم الكرز» الحاصل علي السعفة الذهبية في مهرجان «كان» قبل 13 عاماً، وقبله «الحياة ولا شيء أكثر» وبعدها أفلامه التي أخذت عناوينها من الأرقام مثل «10» و«5» وغيرها كلها قائمة علي تأمل الحياة.. لم يقدم كيروستامي بطلة محجبة ورغم ذلك شاهدت فيلماً إيرانياً خالصاً.