المرة الاولى: أزيز المنبه المتواصل ايقظنى دفعة واحده .. جلست فى الفراش الملم شعرى المتمرد .. رافضه أن اترك هذا الدفىء .. وبعد مقاومه طفيفة تدافعت الى عقلى خلالها خطوات البرنامج اليومى .. اضطررت ان انهض متثاقلة .. لم أحاول ان أتحرك بهدوء فجدتي سمعها اضمحل ولن تزعجها ضوضائي .. هى كل من بقى لى فى هذه الدنيا الشاسعة .. ارتديت ملابس ثقيلة بعد شعوري بوخز البرد ورؤيتي للسحب الرمادية الكثيفة .. أرسلت نحوها بصري بحرص لأجدها غارقة فى سباتها العجوز .. جهزت إفطارها وشعرت بى .. تمتمت بدعائها لى أن تصحبنى السلامة .. هبطت الى عملي .. الشارع الكبير حيث المحطة غارق فى مياه أمطار الليلة الماضية .. نادتني رائحة الهواء المغسول فسرت لحظة مغمضة العينين منتشية لكنى فتحتهما فجأة على رائحة فلافل عم حمزة .. فلم أقاوم النداء واندسست بين الأجساد المتدافعة مادة يدى له بالنقود وعلى وجهي ابتسامة فى انتظار أقراص الطعمية الساخنة .. كنت ألف اقراصى بحرص وارفع عيناي لانتقل الى الضفة الأخرى حيث المحطة المكتظة بالبشر .. (تشششششششششش ) فإذا بصخب المياه المتراكمة يغرقني دفعة واحدة اثر اندفاع هذه السيارة الفارهة .. طارت حصيلتي من الطعمية لتهبط غارقة هى الأخرى فى المياه .. وقفت مشدوهة والمياه تتغلغل فى ملابسي .. واقراصى تغوص أكثر فى المياه .. توقفت السيارة وهبط قائدها مقطبا .. " آسف اتفضلى أوصلك اى مكان " .. مازلت مشدوهة لم احر جوابا لكنى لاحظت مدى شحوبه وشعيرات ذقنه النابتة .. متسمرة انظر نحوه فى شبه غضب " إيه ده يا أستاذ مش تخللي بالك أروح شغلى ازاى دلوقتى " لفظتها فى حدة .. فإذا به يقترب محدقا بى .. مادا يده لدعوتى مرة أخرى بحماسه وعينيه بهما لمعة غريبة .. توجست خيفة فنظر نحوى بإصرار وعينيه تلتهمان تفاصيلي .. تراجعت خطوة للوراء وأشحت بوجهي فاصطدمت عيناي بالسيارة وداخلها طفلة جميله لم ألاحظها قبل ذلك .. كانت ترقبنا فى صمت .. كرر فى رجاء " ارجوكى اتفضلى .. ما تخافيش .. انا هوصلك اى مكان وبعدين أودى دينا المدرسة " .. ترددت وطمأنني وجود هذه الدينا معه .. فدلفت الى السيارة مرتجفة .. وأنا أقطر بالمياه . المرة الثانية: صوت البحر الفيروزي .. عبق رائحة اليود .. تحقق احلامى وأكثر .. أشرق كل هذا على ملامحي وأنا متمددة على كرسى البحر مغمضه العينين .. " ماما .. ماما " صوت دينا يناديني من نشوتي فأفتح عيناي .. تلعب ببراءة وسط الأمواج المتتالية تحملها عوامة فسفورية الألوان .. نهضت نحوها فنادتني أكثر وأعلى " ماما تعالى .. تعالى عومى معانا عشان خاطرى .. بابا انده ماما والنبى بتسمع كلامك " رسمت عفويتها ابتسامتي وسط نداؤه لى " تعالى بأه .. المية حلوة اوى " .. " هنزل بهدومى سامع ؟ " " وايه يعنى الشاليه خطوتين اهه تعالى يا لله " .. اقترب من المياه المغرية الرجراجة .. وفى منتصف المسافة إليهما( سبلااااااااااش ) يمرق الجيت سكي ناشرا صخب المياه فى وجهى .. أغلق عيناي على دهشة الصدمة وافتحهما على ضحكاته ودينا على مشهدي المصدوم .. نخرج ثلاثتنا بعد دقائق .. يقترب سائق الجيت سكى معتذرا بينما أجفف دينا .. ارفع وجهي نحوه .. فيقف فجأة فى منتصف المسافة صامتا .. لكنه يزدرد لعابه ويلتفت نحو والد دينا .. وترتفع هتافات أصدقاء قدامى ويحتضنان بعضهما فى ود صافى .. تخفت أصواتهما ويقدمنا لبعضنا فى سرعة آخذا بيد صديقه ملوحا انه سيعود بعد قليل .. يختفيان داخل الشاليه .. أعود لأرقب قصر الرمال الذى تبنيه دينا .. وملابسي تقطر بالمياه . المرة الثالثة: جدتي فى الحديقة .. تجلس ساهمة .. ترفع رأسها متسائلة لعودتي مبكرة من عملى .. ابتسم واعدو نحوها بخفة بعد ان قطفت لها زهرة .. وفى منتصف المسافة إليها وأنا وسط العشب الأخضر ( تش .. تش .. تش ) أغلق عيناي على دهشة صخب مياه نافورات الرى التى انطلقت فجأة .. تتعالى ضحكاتنا معا .. ادخل مهرولة وأنا أقطر بالمياه .. اشعر بحركة فى مكتبه فأدفع الباب بهدوء .. يبدو متفاجئا وهو يغلق أدراجه بتوتر .. الملم اتساع ابتسامتي بتساؤل .. فيتدفق حديثه وهو يأخذ بذراعي لنذهب غرفتنا ... ينقر قلبى القلق .. فأتجاهله .. ثم يعن لى احد الأيام ان أشفى فضولى .. أعالج الأدراج اللغز .. تنفتح مستجيبة لعنادي .. أتنهد براحة فلا شىء فيها يثير الريبة .. ابدأ فى اغلاقها .. ينحشر احدها فى شىء .. أمد يدى وبصري .. اجذب الشىء .. أحدق فى الشىء .. إنها صورتى .. وليست صورتى .. تتدافع المشاهد فى عقلى .. عينيه اللتان تلتهمان تفاصيلي فى اول مرة .. زواجنا السريع .. إصراره على ان أقص شعرى الطويل المتمرد .. اختياره لملابسي بإصرار غير قابل للمناقشة .. وجه صديقه محدقا بى على الشاطئ كمن رأى شبحا .. ينشطر قلبي واهبط الى ظلام الفهم .. تنحدر دموعي فى صمت يقطعه فجأة .. صوته يتنحنح ليبدأ الحديث . هدى عبد القادر التعليق: هدى عبد القادر كاتبة مقتدرة لديها تجربة خاصة ورؤية ثاقبة وبناء محكم ولغة دقيقة رغم الأخطاء. قصتها جيدة عميقة ومشوقة ومرتبطة بالحياة بقوة رغم الفلسفة العبثية، أقترح حذف العناوين الفرعية فى القصة. د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة