موضوع غريب قرأته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أثار حفيظتي.. رجل يركب سيارته مع زوجته يحاول الوصول إلى بيت أهله القريب بشدة، ولكن الشوارع كما هي الحال دائما في العيد قمة الازدحام، والمسافة التي يقطعها بالعربة في ثلث الساعة يقطعها في ساعة..
فجأة وجد عربة أمامه في عكس الاتجاه تحاول المرور منه، رفض بإصرار مرورها؛ أخذ سائق العربة يحاول معه مرة بأن يضيء الضوء الكبير وأخرى بإشارات من يديه حتى يتركه يمر من جانبه في الطريق العكسي، ولكن الرجل رفض..
هبط الرجل من السيارة ليسأل السائق ربما يكون قد أخطأ أو لا يعرف أن الطريق اتجاه واحد وهو يسير بشكل عكسي، أو أي شيء من هذا القبيل..
وبعد أن سأله وجد نافذة السيارة تفتح وتنظر منها سيدة من المفروض أنها سيدة محترمة، ولكنها تحدثت بصوت عالٍ وبقمة العجرفة قائلة: "ها خلصت كلام؟ ده السواق بتاعي وأنا اللي قلت له يمشي كده"..
ذهل الرجل وحاول إفهامها بأن هذا ليس صوابا، وأنه من المفروض أن تسير في الطريق السليم.
هنا هبطت السيدة من العربة وهي تصيح بأن الطريق عكسي أو غير عكسي وأنها سوف تمر منه هكذا، وأضافت: أنت لا تعرف من نحن "إحنا شرطة"، وأكدتها مرة أخرى بأنها شرطة وكأن مرة واحدة لا تكفي..
حاول الرجل وهو في قمة الذهول أن يفهمها بأنها لو كانت حتى شرطة كما تدعي، فلا بد أن تكون قدوة لكل المارة لا أن تسير هي في الطريق العكسي.
كان ردها بصوت عالٍ بشدة وبأسلوب في قمة العجرفة: "أنت ما لك وما للبلد؟! ما تخليك في حالك وتمشي، وبعدين أنا باقول لك إحنا شرطة، هتمشي ولا لأ؟".
وهنا هبطت من العربة ابنة السيدة وأخذت تصيح في الرجل بأنه رجل مجنون وأنه أكيد مريض نفسي كي يعترض طريقهم لأنهم ساروا باتجاه عكسي..
وأنه لا بد أن يقبض عليه، وأكدت الأم كلام ابنتها، بأنه فعلا مريض نفسي يحتاج إلى العلاج.
ثم أخذت الابنة ووالدتها تتحدثان الإنجليزية، وترددان أن الرجل مجنون ولا بد من علاجه في مصحة نفسية..
وأخذت السيدة تنادي على ابنتها وتصيحان بصوت عالٍ بشدة، تارة بالإنجليزية وتارة بالعربية بأن الرجل مجنون..
أخيرا صاحت الأم في ابنتها بأن تصعد إلى العربة لأن هذا رجل مجنون وسنتركه لأنه مريض ويحتاج إلى علاج، في لهجة كلها سخرية وتعالٍ..
ركب الرجل عربته لعله يعطيهم فرصة لمراجعة أنفسهم والرجوع إلى الطريق السليم، وفي نفس الوقت يدير رأسه في كل مكان في محاولة منه أن يجد أي عسكري شرطة أو شرطة عسكرية بدون فائدة..
قرر الرجل بشتى الطرق منعهم من الاستمرار في المرور من الطريق العكسي وهم مصرون على السير في الطريق العكسي، حتى أن السيدة هبطت من عربتها ووقفت أمام عربة الرجل في محاولة لجعل سائقها يمر منه في الطريق العكسي..
وما كان من الرجل إلا أن فعل نفس الشيء وهبط هو الآخر ليقف عائقا أمام السائق، ليمنعه من المرور في الطريق العكسي..
كل هذا والسيدة لا تكف عن الصياح بصوت عالٍ بشدة وتعالٍ وعجرفة وسخرية، من أن الرجل مجنون ومريض نفسي ويحتاج إلى العلاج..
وأخيرا أدرك الرجل أن أي حديث معهم لن يفيد، وخطرت على باله فكرة أن يقوم بتصويرهم وتصوير لوحة أرقام العربة..
وعندما وجد السائق أن الرجل لن يترك لهم فرصة للمرور من الطريق العكسي تقهقر إلى الخلف حتى يدخل ملفا جانبيا ليسير في الطريق السليم..
وعندما شعر الرجل أنه انتصر نظر في المرآة، وياللعجب وجد السيارة قد دخلت في الطريق العكسي مرة أخرى! ولكنه كان قد قام بتصوير المرأة وأرقام السيارة.
قرأت هذا الموضوع وأنا داخلي تعجب رهيب وتساؤلات أعجب، هل ما زلنا نردد تلك الكلمات التي عفا عليها الزمن؟!
إنت مش عارف أنا مين وابن مين؟! والمصيبة الأكبر أنها تتحدث على أنها شرطة، فإن كانت شرطة حقا كيف يكون هذا تصرف رجال أو سيدات الشرطة؟! وإن لم تكن فأين من يترك هذه النوعيات التي تنتحل شخصيات الشرطي حتى تأخذ حقا ليس من حقها وتخالف به القوانين؟!
وأين في هذا كله شرطي المرور الذي من المفروض أن نلجأ إليه في مثل هذه الظروف، ويحاول مساعدتنا وإثبات حالة من المفروض أنها لا تحدث من إنسان طبيعي المفترض به احترام القانون..
هل أصبح البلد سائب وليس له صاحب يحميه؟! وهل كل من لا يعجبنا أصبحنا نتهمه بالجنون؟!
وهنا مربط فرس آخر.. وهو انقلاب الحق إلى باطل.. السيدة وابنتها كانتا صادقتين تماما في الأغلب عندما رأتا الرجل مجنونا.. فقيمة الدفاع عن الحق أو التمسك بالقانون أو الدخول في مشكلة فقط من أجل فعل الأمر الصحيح صارت علامة من علامات الجنون على ما يبدو..
فلقد أصبح الطبيعي لدى الجميع أن يكسر الإشارة وأن يسير في الطريق العكسي، وألا يحترم علامات المرور، وأن لا يحترم الطابور في أي مؤسسة، أو يحافظ على مقاعد المرضى ذوي الاحتياجات، أو على عدم الركوب في عربة السيدات بالمترو أو.. أو.. أو... كل هذه الأمور التي تتعلق بالنظام والانضباط أصبح التمسك بها موضة قديمة ودلالة على فقدان العقل، وكأنك تواجه المجتمع في الألفية الثانية، وأن ترتدي طربوشا عفا عليه الزمان.
لذا فلقد رأت السيدة أن الرجل يتمسك بأمر لا يحتاج إلى كل هذا، فماذا سيحدث لو سارت عكس الطريق؟!
هكذا بكل أسف أصبحت الغالبية منا تتعامل وتفكر.. فالقواعد لا وجود لها، والمجد للمحسوبية والواسطة التي تفتح كل الأبواب.
ومن يفكر في الالتزام سيذكرك بكل تأكيد بفيلم "رد قلبي" عندما اتهم شكري سرحان بالجنون لأنه ذهب ليخطب ابنة الباشا.. فكل هذه أفعال أصبحت لا قيمة لها اليوم، فمتى نعرف الحق حقا ونتبعه؟!