أكثر من عام ونصف العام مرّ على ثورة 25 يناير، ولم يمر علينا شهر من يناير 2011 وحتى الآن لم تحدث فيه كارثة أو حدث يُدخل علينا القلق والحزن، ناهيك عن بلطجة وخطف وسرقة نتيجة انفلات أمني، وارتفاع في الأسعار، وحرقة دم في كل يوم.. من السبب؟!! هناك من يرى أن المتسبب كان المجلس العسكري، ومنهم من يرى أن جماعة الإخوان والقوى السياسية هي السبب. وكنا قد تحدّثنا عن كوننا نحن المواطنون، أنا وأنت كنّا سببا بصورة أو بأخرى فيما حدث من أخطاء خلال المرحلة السابقة التي أعقبت اندلاع الثورة وحتى الآن، وكان حديثنا في الحلقة السابقة عن مشكلة عدم اعترافنا بأخطائنا، وكيف أصبحت هذه المشكلة سببا في سوء هذه المرحلة الانتقالية في مقال (خير العكاكين المعترفون بعكّهم.. وابقى قابلني!!) واليوم نتحدّث عن مشكلة كبرى كنّا بها سببًا في سوء المرحلة الانتقالية. كم منا نصح موظفا أو عاملا أو صانعا، وقال له: هناك حديث نبوي يقول: "إن الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه". وكم منّا صادف هذه الردود: موظف حكومي: يا عم على قدّ فلوسهم.. خباز في فرن عيش: يا سيدي ماتبقاش حنبلي، أهم حاجة الشغل يخلص في السريع، ويطلع الرغيف وآهو كله عجين! ميكانيكي سيارات: ما هو الشعب كده يقعد يدقق في الحاجة مش المهم شغالة وخلاص.. لأ يقعد يقول لك مش عارف أصل العربية لها صوت وهي ماشية، ومش عارف الموتور بيسخن.. مايعرفش أهم حاجة لما يدوس بنزين العربية تطلع على طول. وهكذا أصبحت الفهلوة.. و"طلسقة" الشغل هي الشعار الرسمي للعامل المصري، فكنّا من أوائل الأمم بإتقاننا للعمل، وأصحب في أواخر أواخرها بإهمالنا وتقصيرنا في أعمالنا. وكم منا ذهب إلى الشهر العقاري ومصلحة الأحوال الشخصية كي يستخرج أي مستند رسمي، ويقف في طوابيييييير طويلة، لا بسبب كثرة المواطنين، ولكن بسبب إهمال الموظفين وعدم إتقانهم لأعمالهم بحجج كثيرة. وتسأل عن الموظف فتجد إجابات مشهورة في كل مصلحة حكومية.. (بيصلي - في الحمام - خمسة وراجع - فوت علينا بكره....) لو كنت تريد أن تعرف أحد الأسباب المهمة والرئيسية في تردي الفترة الانتقالية ما بعد الثورة وإلى الآن.. فابحث في نفسك عن إتقانك لعملك.. وأقسم أن كثيرًا من الأزمات التي نمرّ بها بدءا من أزمة الوقود وانقطاع التيار الكهربائي وارتفاع الأسعار والمرور وغيرها من الأزمات، فهي نتائج لعدم إتقان العمل. فلو أتقن موظف الضمان الاجتماعي وموظف مراقبة الأسعار ومباحث التموين، وموظفو شركات ومحطات الكهرباء وضابط وجندي المرور وغيرهم لما حدثت هذه الأزمات وغيرها.. المواطنون الأوروبيون يصفوننا بأننا أمة تحسن الشعارات ولا تحسن العمل.. نهتف الشعب يريد إسقاط النظام، ولا نستطيع أن نعمل بإتقان لنبني نظاما بدلاً من الذي سقط، لتجد في النهاية مواطنين بسطاء يبكون نظام مبارك ويقولون ليته ما سقط. أحسنا في ترديد شعار "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"، ولكن لا تجد من يعمل بإتقان لتحقيق هذا الشعار. ولن نطيل عليكم.. وإن كنّا نتحدث عن سلبيات لدينا نريد أن نتجاوزها، لنصلح ما أخطأنا فيه خلال المرحلة القادمة في خلال شهر التدريب العظيم.. رمضان.. فيكفي أن نأخذ في هذا الشهر شعارًا نحاول أن أدرب نفسي وإياكم على تنفيذه لا ترديده فقط.. "{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[ البقرة : 195 ] . اللهم ارزقنا إتقان العمل..