أحداث ماسبيرو.. أحداث مسرح البالون.. أحداث محمد محمود.. أحداث بورسعيد.. مَن السبب؟!! قتلى وإصابات.. مجلس شعب تمّ حلّه بحكم المحكمة الدستورية.. ومجلس شورى سيتم حلّه عن قريب.. ومليونيات ومليونيات ومليونيات.. من السبب؟!!
أكثر من عام ونصف العام مرّ على ثورة 25 يناير، ولم يمر علينا شهر من يناير 2011 وحتى الآن لم تحدث فيه كارثة أو حدث يُدخل علينا القلق والحزن، ناهيك عن بلطجة وخطف وسرقة نتيجة انفلات أمني وارتفاع في الأسعار، وحرقة دم في كل يوم.. من السبب؟!!
جلست مع أصدقائي في أحد الأماكن العامة، وكنّا نناقش هذه المرحلة وكل "البلاوي" التي رأيناها منذ اندلاع الثورة وحتى الآن، وكان السؤال الرئيسي بيننا.. مَن السبب؟!!
أحد أصدقائي ردّ بصورة حاسمة قائلا: المجلس العسكري طبعا هو السبب.. فردّ عليه آخر قائلا: لا طبعا الإخوان هما السبب.. فقاطعه ثالث وقال: كل القوى السياسية باختلافاتها وصراعاتها هي السبب.. إلى أن جاء ردٌ من شخص لم يكن بين أصدقائي كان يجلس بمفرده، ويبدو أنه كان متابعا لما يدور بيننا من حوار؛ فقال بصوت عالٍ لفت انتباه الحضور:
إحنا السبب.. والله العظيم إحنا السبب!!
قال الرجل هذه الكلمة وانصرف، ولم يوضّح حتى رأيه، ولم يناقش أحدا منّا..
لست هنا بصدد الحديث عن تفاصيل إدارة المجلس العسكري للفترة الانتقالية، ولا عن ممارسة الإخوان العمل السياسي ومتى كانوا على صواب ومتى كانوا على خطأ، ولن أتحدّث هنا عن خلافات القوى السياسية وصراعاتها وعدم اتفاقها على رأي؛ فكل ذلك قد قُتل بحثا، وانتهى الكلام حوله..
لكننا هنا نتحدّث عنّا نحن كأفراد مواطنين في هذا البلد..
أتحدّث عن نفسي. وعنكَ.. وعنكِ..
هل نحن كنّا السبب في كل ما مرّ علينا من أحداث خلال الفترة الانتقالية ما بعد الثورة وإلى الآن؟!!..
ولن أُحمّل نفسي وإياكم كل الأخطاء التي حدثت خلال هذه الفترة، لكن علينا أن نعترف أننا نحن كنّا جزءا من الأسباب التي أدّت إلى كل هذا..
وسيكون ذلك مفصّلا في عدة مقالات خلال شهر رمضان الكريم.. نتناول فيها كيف كنا سببا فيما حدث خلال الفترة الانتقالية في مصر وحتى الآن..
ولأن الدنيا صيام، والقراءة تكون ثقيلة في هذه الأيام.. سنختصر بقدر الإمكان ولن نطيل عليكم..
العكّاكين.. وأخطاؤهم!! وإذا كنّا نتحدّث عن أخطاء قمنا بها نحن المواطنين أدّت إلى "بلاوي" الفترة الانتقالية؛ فأوّل أخطائنا هو عدم الاعتراف بالخطأ..
نعم.. هذه الحقيقة!!
أغلبنا لا يعترف بأخطائه، بل عندما تُواجِه أحدا بخطأ ارتكبه تجده يغدق عليك سَيْلا من المبررات والأسباب ولا يقول لك أبدا: "أنا أخطأت"..!!
وإليك نماذج من بعض الحوارات، وعلى يقين أنك صادفت مثلها وأكثر:
حوار بين اثنين في مترو الأنفاق الأول: يا عم ماينفعش تصوم وإنت مابتصلّيش.. الصيام فرض والصلاة فرض برضه..
الثاني: يا عم هو يعني اللي بيصلّي هو اللي بيعرف ربنا.. ده حتى كل اللي باعرفهم وبيصلّوا حرامية ونصّابين!!
حوار آخر كان بين اثنين من المارّة.. تناول أحدهما بعض الحلوى المغلّفة، وقام بإلقاء ما تبقّى منه على الأرض..
فقال له الأول: يا ابني صندوق "الزبالة" أهو على بعد مترين!! فردّ عليه الثاني: يعني هي الورقة اللي رامتها هي اللي وسّخت الأرض.. ما الشارع كله "زباله" أهو!! *** حوار بين مدير وموظف في العمل: المدير: عملك اليوم فيه أخطاء كتيرة!! الموظف: معلش أصلي ماكنتش نايم كويس. *** لو عددت لك الحوارات المشابهة لذلك.. لسردت لكل الكثير، وأعرف أنك شاهدت ورأيت وصادفت وشاركت في مثل هذه الحوارات.. دائما المُخطِئ يُبرّر خطأه..
لكن نادرا ما تجد مخطئ عندما تواجهه بخطئه يقول لك: فعلا أنا أخطأت.. شكرا لأنك نبّهتني.
الأمر الذي جعلنا عندما نصادف أحدا يعترف بخطئه "نشيله من على الأرض شيل"، وكأنه فعل شيئا غريبا وغير متوقّع.
عدم الاعتراف بالخطأ يؤدّي إلى التمادي فيه؛ فيصبح الخطأ عك.. فتصير الحياة عكا.. ونادرا ما تجد عكاكا بعدما يدله الناس على عكه يعترف بما ارتكب من عك، بل تجده يبرّر عكه ويبرر ويبرر؛ حتى تصبح عندك قناعة أن العك هو أفضل أسلوب لإدارة الحياة، وتتمنّى أن تكون عكاكا مثله إلى أن تبلغ ما تتمنّاه لتنضمّ كعضو جديد في فريق العكّاكين..
أدعوكم في الختام -وأدعو نفسي- إلى أن نتدرّب خلال هذا الشهر الكريم على أن نواجه أنفسنا بأخطائنا، ونعترف بها؛ فأولى خطوات حل المشكلة الاعتراف بأنها مشكلة..
تدرّب على الاعتراف بخطئك والاعتذار عنه؛ لأن كل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون..