وجود اسم خالد يوسف على أفيش فيلم "كف القمر" كفيل بترك انطباع لدى الكثيرين من روّاد السينما عن "التيمة" الرئيسية للفيلم، فهو فيلم يا إما سيتحدّث عن ثورة 25 يناير، أو يتخلله بعض مَشاهد الإغراء، وهي صورة ذهنية صنعها خالد يوسف لنفسه مع كل رواد أفلامه السابقين. وكانت هذه توقعاتي قبل دخولي إلى الفيلم؛ حيث تصوّرت كم المشاهدين، ومعاناتي التي ستستمر لساعات حتى أحصل على التذكرة، ولكن كانت المفاجأة الكبرى هي خلو الشباك بل القاعة نفسها كانت خاوية بشكل كبير من المشاهدين، وظلّ الصمت طويلا خلال أحداث الفيلم الطويلة، وهذا هو أول عيوب "كف القمر"، والتي أوضحت لي سبب عدم إقبال الجمهور على الفيلم، وتذيّله قائمة إيرادات الموسم. الفيلم ينغمس كثيرا في الرمزية والمط والتطويل في سرد الحكاية التي تعلم خيوطها من أول مشهد تطلب فيه "قمر" (وفاء عامر) رؤية أبنائها الخمسة قبل أن تموت، ويرصد فيلم "كف القمر" رحلة بحث الأبناء عن لقمة العيش، والتي من أجلها أهملوا الأم وبيت العيلة وتركوهما نهبا للصوص الذين لم يتورعوا عن تحطيم أجزاء من جدران البيت لسرقته. داخل الدار المبنية من الطوب اللبن أم مريضة أكلت "الغرغرينا" كف يدها، ولم يتبقّ لها سوى أبنائها الخمسة الذين نزحوا من الصعيد إلى القاهرة للعمل، كان الهدف توفير مال لإكمال بناء الدار، لكنهم نسوا الهدف، وانغمسوا في السعي وراء رغباتهم الشخصية. وتحاول قمر إبعاد اللصوص عن دارها، ولكنها تسقط من شدة الإعياء ليبدأ كلاب السكك في نهشها، وهو مشهد معبّر جدا عن حال بلدنا، وأجادت الفنانة وفاء عامر في إتقانه، لتبدأ بعد ذلك رحلة لمّ شتات الأسرة، والتي من الأساس فرّقتهم "قمر" ليبحثوا عن لقمة العيش ليعودوا ليبنوا الدار بالمسلح والطوب الأحمر. ولأن الفيلم -كما ذَكَرنا- يعتمد على الإسقاطات الرمزية على الشخصيات فنجد مثلا: "قمر" هي مصر الأم، والأبناء طوائفه المختلفة، والأخ الكبير خالد صالح (ذكري في الفيلم) هو الديكتاتور المتسلّط، الدار المتهالكة التي ينهبها اللصوص هي الوطن الكبير الذي تم نهبه. ويُعاب على الفيلم استخدامه أسلوب الفلاش باك بكثرة؛ فالنصف الأول من الفيلم تجد أحداثه متسارعة لنعرف كيف تشتت الإخوة فتختلف شخصياتهم بشكل كبير، يجمعهم فقط صلة القرابة ووِحدة الدم، منهم من يتخذ الجريمة باطنا لتحقيق وصول سريع للمال والحب الضائع، ومنهم من يتخذها ظاهرا وباطنا بحثا عن سُلطة وسيادة مفقودة بسبب سطوة الأخ الأكبر إلى الهروب منها، ومنهم من يبحث عن الجذور والأصل، لكنه طيب لا يملك القوة للكشف عن الجذور وتطبيق قيم مثالية جدا في واقع يبحث عن المصالح الشخصية، وهناك المخدوع في الحب الذي يحاول الهرب من خيانة حبيبته وأخيه إلى أي مكان، وآخر العقد "ياسين" (هيثم أحمد زكي) الذي يجد طريقه إلى التصوّف ورؤية الحياة من منظوره الفطري الذي يتميّز باندفاع. ومن لم يفهم من الرمز يجد أن مؤلف الفيلم ناصر عبد الرحمن حاصره ببعض الجمل الحوارية التي يجب أن يتوقّف أمامها المشاهد طويلا ليبكي على حالنا وما وصلنا إليه من تردٍ؛ فنجد أغنية تتخلل أحداث الفيلم تقول: "من كف واحد بقينا متفرقين ل50 كف"؛ ونجد جملة أخرى يقولها المرسال الذي ذهب لكبير العائلة "ذكري" ليحثّه على لمّ شتات إخوته يقول "أمك مستنية الكف يا ذكري". وجاء التركيز الأكبر للفيلم على شخصية الأخ الأكبر خالد صالح الذي يرث رعاية أشقائه بجوار الثأر للأب الذي مات بعد سرقة كنز اكتشفه في الجبل، وهي مهمة تصنع منه ديكتاتورا يفرض قوانينه الخاصة على إخوته، استسلموا له حتى تجبّر فهجروه. وهنا يبدأ النصف الثاني للفيلم، والذي تشعر معه بملل يتملكك، وتدخل في أجواء من الفلاش باك حول الأسباب التي دفعت الإخوة للفراق، وتمرّدهم على الكبير وثورتهم عليه لتجد الأخ الذي يثور في وجهه، ويقول: "مش إنت الكبير لوحدك"، وآخر يسخر منه بالقول: "مش شايفك يا كبير". ومع كل محاولات الشتات والثورة على الكبير تجده يحاول لمّ شتات إخوته؛ لإنقاذ "قمر" من مصيرها، لكن الكبير يعود وحيدا في الوقت الذي تنقطع فيه يد قمر وتموت، وهنا يعود الأشقاء ليحملوا نعش أمهم، ويلومهم الكبير بقوله: "كان لازم ما نتجمعش إلا على نعش قمر"، ليترك تساؤلا للجمهور: هل سننتظر كثيرا حتى تموت أمتنا ونتجمّع فوق قبرها. كلمات أخيرة: * خالد صالح: ستظلّ متألقا كالعادة فدورك بالفعل كبير، فهو فعلا من أضاف للدور بعبقريته وقدرته على التنوّع طوال أحداث الفيلم والتغير الذي طرأ عليه حتى النهاية. * وفاء عامر: فنانة مخضرمة، ولكن رغم البداية القوية في الفيلم خانها الماكياج، فلم يعبّر بشكل كبير عن تقدّمها في السن، ولم يطاوعها جسدها في أحيان أخرى في أن تبدو عجوزا، ففي الوقت الذي بدت فيه ملامحها متقدّمة في السن، ظلّ جسدها وحركاتها لامرأة شابة تملك القوة وربما كان هذا الرمز مقصودا.. ولكن دورها كان متميّزا. * جومانا مراد وحورية فرغلي: توظيف خالد يوسف لهما كان موفّقا؛ فمثّلت كل منهما دور الأنوثة الطاغية والإغراء في حياة مليئة بالشتات. * أهم ما يميّز الفيلم هو الأغاني التي تخللت أحداثه، وقدرتها على نقل المشاهد بين زمن وآخر، وهو أمر يُحسَب لموسيقى أحمد سعد وخالد نبيل.