جو من الصوفية فرض نفسه على الفيلم وضع كل أبطاله بحوارتهم في إطار من الرمزية، هذه الرمزية تطالب المشاهد بفك شفرتها بمساحة متسعة للجميع ، فمن يريد أن يضفي على الرموز صبغة سياسية مقبول، ومن أراد أن يدلل بها على واقع مصر في الفترة الأخيرة مقبول ، ومن يريد أن يسقط على شخصيات الفيلم شخصية عاشت أو تعيش معنا على أرض الواقع فمقبول أيضا ، لكن في النهاية كل هذه المساحة الواسعة من الرمزية الملقاه على عاتق المشاهد لن تمنع من الإستمتاع بالفيلم. أم لخمسة أولاد ذكور، قٌتل زوجها بعد أن عثر على مقبرة فرعونية في حضن الجبل، وتولت هى تربية الأبناء الخمسة وحاولت أن تكون الجذر الذي يجمع هذه الفروع ودعمت نفسها وفروعها الخمسة باشتراكهم في بناء بيت من الطوب اللبن في البداية على أن يتولى الأبناء بعد إشتداد عودهم تقوية المنزل وبناءه بالطوب والأسمنت، لكن مع إشتداد عود الأولاد وإضطراها إلى إرسالهم للقاهرة بحثا عن لقمة العيش تفرقوا وضاع الحلم، ونسوا البيت الكبير الذي يضم رواقا لكل منهم، وبقت قمر فى منزل الطوب اللبن يتطاول عليها صغار اللصوص يكسرون حوائطه ويسرقون محتوياته وهى عاجزة عن حمايته في إنتظار أبنها الأكبر ذكرى والذي حملته أمانة ترابط أخواته ووحدتهم. الأخوة في الفيلم تختلف شخصياتهم بشكل كبير ، يجمعهم فقط صلة القرابة ووحدة الدم، منهم من يتخذ الجريمة باطنا لتحقيق وصول سريع للمال والحب الضائع، ومنهم من يتخذها ظاهرا وباطنا بحثا عن سلطة وسيادة مفقودة بسبب سطوة الأخ الأكبر إلى الهروب منها، منهم من يبحث عن الجذور والأصل لكنه طيب لا يملك القوة للكشف عن الجذور وتطبيق قيما مثالية جدا في واقع يبحث عن المصالح الشخصية، وهناك المخدوع في الحب الذي يحاول الهرب من خيانة حبيبته وأخوه إلى أي مكان، وأخر العقد "ياسين" الذي يقوم بدوره "هيثم ذكي" الذي يجد طريقه إلى التصوف ورؤية الحياة من منظوره الفطري الذي يتميز بإندفاع، الذي يجد طريقة إلى الرقص بالتنورة وبعدها على حلقات الذكر بعد حضوره بروفة لراقصة شعبية في منزلها تسحبه موسيقيا الرقص البلدي والراقصة التي يقع في حبها لكنه يترجم كل ما حوله إلى رقصته هو ويبدأ في الدوران ويدور معه جلبابه الصعيدي الواسع، ويتحول الدوران إلى تنورة وألوان زاهية ليولد درويش لة خبرة بالحياة يعرفها جيدا وليس فقط أخ أصغر يعمل باقي الأخوة على حمايته، تتفرق السبل بالأخوة ويبقى هو فقط الجامع في الوقت الذي ينشغل فيه الجميع برغباتهم ومصالحهم وما يشبع حاجتهم فقط ، هو دائما موجود ليسد الفراغ شرط أن يتجمعوا، جميعهم تأثروا بما مر بهم من أحداث وتغيرت شخصياتهم إلى حد كبير، ياسين فقط ظل كما هو يحمل فلسفته الخاصة على كتفه ويدور وعندما يفشل دورانه يذكر الله وهو على الرغم من هذا كأخواته أميا لا يعرف القراءة أو الكتابة لكنه يملك الفطرة التي توجهه، والزهد الذي منعه عن الوقع في شرك الطمع أو الاستسلام للواقع كباقي أخوته، هيثم عبر عن الشخصية كما هى بإداء بسيط جدا وصنع ياسين حديث غير ياسين بهية المعروف في الموروث الشعبي والمغدور به، هو ياسين قمر،هيثم اقترب فى أحيان كثيرة من أداء والدة الراحل أحمد ذكي، لكنه في أغلب مشاهدة يبدو مطورا لإسلوبه الخاص مبتعدا عن والده ونجح إلى حد كبير فى أن يظهر في الشخصية البساطة والعفوية وهما مفتاح هذه الشخصية التي تملك الحل. وفاء عامر فى شخصية الأم قمر خانها المكياج فلم يعبر بشكل كبير عن تقدمها في السن، ولم يطاوعها جسدها في أحيان أخرى فى أن يبدو عجوزا ، ففي الوقت الذي بدت فيه ملامحها متقدمة في السن ، جسدها وحركاتها ظلا لامراءة شابة تملك القوة، تحكمت في صوتها وملامح وجهها جيدا وغابت الأدوات الأخرى التي تساعد في الإقتناع بالشخصية، بالطبع القصور كان في مرحلتها الأخيرة من العمر لذلك لم تظهر المشكلة في الفيلم لوقت طويل، حوريه فرغلي، وجومانا مراد ظهرت شخصايتهم في الفيلم بشكل واضح خاصة أن شخصايتهم ساهموا في تحريك الحدث المهم هو الفرقة بين الأخوة، وحدها غادة عبد الرازق قدمت أداء سطحيا لشخصية من المفترض أن تكون ثرية جدا، فهي لم تبدو كمريضة بإنهيار عصبي، وبالغت فى إداء بعض المشاهد وارتسمت على وجهها ملامح أخرى غير التي يعبر عنها الموقف، والأهم عدم إتقانها للهجة الصعيدية وهى من المفترض أن تكون لهجتها الأساسية فهي لم تغادر الصعيد ولم تحتك بالقاهرة لتتكلم لغاتها. الفيلم فى نصفه الأول ظهرت فية المباشرة في العرض بشكل كبير ، ظهرت هذا بشدة من خلال التأكيد على فكرة الكف والخمسة أصابع للدلالة على قمر وأولادها، وتكررت هذه الإشارة أكثر من مرة في بداية الفيلم وكأن اسم الفيلم غير كافي للتعبير عن هذه الفكرة، كذلك استخدام الذئاب والتعابين للدلالة على قسوة الجبل، حتى لو كان هذا الجبل ملاصقا لطريق سريع، بعض هذه المشاهد استخدم فيها المخرج "خالد يوسف" كلابا يبدو بشكل واضح أنها من سلالات نقية ومدربة وهو ما يتعارض مع فكرة المشهد نفسه، كذلك استخدام لقطة تضم ثلاثة ذئاب يليها مشهد فيه زوج قمر مقتولا بالطبع ذئاب الجبل لم تنهش لحمه ولكن ذئب أدمي هو من قتله وسرق محتويات المقبرة، كل هذه تيمات قديمة كان من الممكن الاستغناء عنها حيث أنها لم تضف جديدا، خاصة وأن قاتل الزوج والأب ظهر وسأل ذكرى الصغير عن مكان والده وبالتالي لا حاجة إلى وجود كادر الذئاب الثلاثة، لم يكتفي خالد بهذا بل استخدم المطر للدلالة على حالة الخطر ، المطر طل بشكل مبالغ فيه وسقط بشكل كثيف وفجأة على قمر وزاد في الشعور بعدم المنطقية ارتداء الأبطال ملابس صيفية وهو ما يتعارض مع سقوط المطر بهذا الشكل، اختيار خالد للكادرات جاء حاملا روح يوسف شاهين خاصة في المشاهد التي تظهر منزل قمر بالصعيد والكادارت التي تظهر مساحات واسعة عموما، وظهر شاهين بشكل أكبر من خلال استخدام خالد للفلاش باك دون أن يشعر المشاهد بأنه انتقل إلى أحداث سابقة وهو ما كان يخلق نوعا من البلبلة عن المشاهد الجديد لأفلام شاهين. يبقى فقط بطل الفيلم الأهم وهو الحوار، القصة التى تبدو منسوجة من جو كتابات خيري شلبي عن النازحين من الصعيد للقاهرة سواء فى الوتد، أو الأمالى لكن الحبكة مختلفة فقط هو الجو العام، لكن المؤلف ناصر عبد الرحمن خلق بعدا فلسفيا لكل الشخصيات على الرغم من أنهم ينتمون لطبقة إجتماعية واحدة وأكثرهم لا يعرف القراءة والكتابة، لكنهم فيما بينهم يبدو كأن لهم هرم طبقي خاص بهم تحكمة صراعات أخرى، وحوارهم كان فلسفيا جدا ويحلل جوانب حياتهم ويفسر علاقاتهم بلغة لا يتكلمها ابناء هذه الطبقة لكن هذه اللغة مقبولة جدا إذا ما وضع فى الإعتبار أن الأبطال ما هم الإ رموز وإسقاطات ولا يمكن أن يكونوا بهذا الشكل على أرض الواقع، والحوار فقط موجود لخدمة الفكرة والمضمون الذى على المشاهد ان يكتشفة بنفسه.