لأول مرة يراها المقرّبون منها وهي تبكي.. لأوّل مرة يراها وزير الدفاع وهي تنوح.. ولم تكن هي فقط مصدر النحيب؛ فأصوات الصراخ والعويل تخرج عالية من مكتب رئيسة وزراء إسرائيل. جولدا مائير ووزراء ينوحون وهم يسمعون من ديفيد بن إليعازر -رئيس الأركان- تطوّرات المعركة صبيحة يوم الإثنين الموافق الثامن من أكتوبر 1973، والخسائر الفادحة التي يتكبّدها الجيش الإسرائيلي كل دقيقة. وفي هذه الأثناء ترفع جولدا مائير سماعة الهاتف: أوصلني حالا بالرئيس ريتشارد نيكسون رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية.. جلودا مائير: أيها الرئيس.. إسرائيل تحتاج إلى مزيد من الدعم العسكري فورا؛ لنتمكَّن من مواجهة المصريين. نيكسون: بالفعل أمريكا تسعى للحفاظ على أمن ووجود إسرائيل، ونحن نمدّكم بالسلاح. جولدا مائير: هذا لا يكفي.. عليكم إنقاذ إسرائيل من الانهيار؛ بهذا الوضع ستسقط إسرائيل بعد 48 ساعة. تشير ساعات ضبط الوقت إلى السادسة صباحا، وبدأت القوات المصرية تعدّ العدة للهجوم المضاد الذي كان يتوقّعه وينتظره الجيش المصري، وقد تمكّنت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية بأجهزة استخباراتها من تحديد اتجاهات الضربة المضادة التي ستشنّها إسرائيل.. وتمّ التخطيط لاستقبال حافل من قِبل جنودنا البواسل لهذا الهجوم الإسرائيلي المضاد. وهنا ألقت القوات الإسرائيلية بنفسها في التهلكة.. نفّذت قواتنا المصرية الخطة بإحكام؛ حيث تمكّنت من فتح مجال صغير يسمح للقوات الإسرائيلية أن تخترق الدفاعات الأمامية وتدخله بنفسها، وبالفعل بدأت القوات الإسرائيلية تخترق الدفاعات الأمامية لقواتنا المسلحة، وتمكّنت من الدخول لعدة كيلو مترات. وكان الكمين.. وجدت القوات الإسرائيلية نفسها محاصرة من كل الجهات من قِبل الجيش المصري، وبدأ حفل الاستقبال.. فتحت قواتنا المصرية النيران من كل جانب على قوات العدو الإسرائيلي، ولم يعرف الجنود الإسرائيليون حينها كيف يهربون ولا كيف يصدون الضربات المصرية القاتلة.. وبعد 20 دقيقة تمّ تدمير القوات الإسرائيلية المخترقة عن آخرها، ولم يسمح لها بالانسحاب، وخسرت إسرائيل في هذه المعركة 150 دبابة. وهنا.. كانت معركة الجيش الثاني الميداني الكبرى.. تمّ حشد كل إمكانيات الجيش الثاني لتنفيذ ضربة قاتلة للعدو الإسرائيلي، بقوة ثلاثة فِرق مدرّعة تتكوّن من ألف دبابة، وتبدأ باقتحام صفوف العدو الإسرائيلي.. وفي تمام الساعة الواحدة والنصف ظهرا انطلقت القوات المصرية يزأرون: الله أكبر.. الله أكبر.. انقسم العدو الإسرائيلي بين مَن يلوذ بالفرار وبين مَن يعتصم بالنقاط الحصينة؛ ليحاول من خلالها قتال قواتنا المسلحة. وكان من بين مَن صمّم على قتال قواتنا المسلحة العقيد الإسرائيلي عساف ياجوري قائد اللواء 190 مدرع. ولا يمكن إنكار أن معركة قواتنا المسلحة مع اللواء 190 مدرع -بقيادة عساف ياجوري- معركة ضارية وشرسة، ومن أعنف المعارك التي خاضها قواتنا المسلحة يوم الثامن من أكتوبر.. وبعد عدة ساعات وبعد صمود قواتنا وقتالهم ببسالة.. قتال جنود يُفضّلون الموت شهداء على أن يكونوا أحياء وأرضهم محتلة.. جنود يعشقون الجهاد في سبيل الله وفي سبيل وطنهم.. وبالفعل.. تمكّنت قواتنا من تلقين العدو درسا غاليا، وتمّ تدمير كل دبابات اللواء 190 مدرع إلا دبابة واحدة يحتصن بها قائد اللواء العقيد عساف ياجوري، وهنا هتف قائد القوات المصرية المقاتلة: "سلِّم نفسك"، ونظر ياجوري من منظار دبابته؛ فرأى جنوده بين قتلى وأسرى في أيدي قواتنا المسلحة؛ فرفع العلم الأبيض، وسلَّم نفسه، وكان يوم فرح بسقوط أعتى وأقوى اللواءات المدرعة في الجيش الإسرائيلي. ولم تقف الفرحة المصرية يوم الثامن من أكتوبر عند أَسر عساف ياجوري فحسب؛ فقبل أن تغرب شمس اليوم تمكّنت قواتنا البحرية باستخدام إحدى الغواصات المقاتلة من إغراق سفينة تجارية للعدو الإسرائيلي في البحر الأحمر، كما دمّرت 4 لنشات مقاتلة. يوم الإثنين الحزين وما إن عَلِمت جولدا مائير بخسائر اليوم استشارت خبراءها العسكريين، وقامت بعزل الجنرال جونين قائد الجبهة الإسرائيلية في سيناء؛ نظراً للخسائر الرهيبة التي تكبّدها الجيش الإسرائيلي يوم الإثنين الحزين (كما أطلقت عليه إسرائيل). وحتى يتمّ إنقاذ ما يُمكن إنقاذه؛ أمر رئيس الأركان الإسرائيلي بتوجيه الطيران الإسرائيلي بالكامل لوقف تقدُّم القوات السورية التي بدأت تقترب من شمال فلسطين. وفي نيويورك.. كان الأمر مختلفا يدخل في عِزّة وتباهٍ الدكتور محمد حسن الزيات -وزير الخارجية المصرية- إلى قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسط تصفيق حاد من الحضور، وألقى بيانا في هذه الجلسة الخاصة؛ شارحا الموقف المصري من حرب أكتوبر، وسعيها إلى استرداد كل أراضيها المحتلة. وهنا قام وزير الخارجية الفرنسي بالإدلاء بتصريح كان أهم ما قال فيه: "لا تلوموا أناسا يريدون العودة لديارهم". كما أعلن وزير الخارجية السعودي أنه في حالة الضرورة فإن بلاده سوف تقوم بوقف ضخّ البترول للولايات المتحدة؛ نظراً لدعمها غير المنصف لإسرائيل. وفي نفس التوقيت كان يجتمع من مجلس الشيوخ الأمريكي، واستنكر القتال المصري لإسرائيل، وطالب بضرورة العودة إلى خطوط وقف إطلاق النار التي كانت قائمة يوم السبت الموافق ال6 من أكتوبر.
ولكن دعهم يستنكرون ويُصرّحون بما يريدون؛ فإن جندنا هم الغالبون.. وغدًا.. تستكمل قواتنا المسلّحة القتال ونكشف تفاصيل الزيارة السريّة للولايات المتحدةالأمريكية..